لم تعد ظاهرة الغش في الامتحانات تقتصر على مؤسسة دون غيرها، بل أصبحت ظاهرة شبه عامة، انتشرت في كل المؤسسات التعليمية تقريبا. وتختلف من مؤسسة إلى أخرى حسب تلامذتها ومحيطها الجغرافي. إن الغش في الامتحانات، ظاهرة ليست جديدة على المنظومة التعليمية المغربية، بل تعتبر ظاهرة قديمة نسبيا، ظهرت أولى تباشيرها مع سنوات الثمانينات، عقب لجوء مختلف وزارات التعليم المتعاقبة، إلى سن تغييرات، مست جوهر وطريقة
الامتحانات النهائية.
إن ظاهرة الغش في الامتحانات ترتبط بطرق التدريس العقيمة، التي تعتمد بالدرجة الأولى على سياسة التلقين دون إفساح المجال للتلاميذ والطلبة لإبداء آرائهم وإشراكهم في تهييء الدروس وإعدادها وهو ما يجعلهم ينفرون ويتبرمون ويحجمون عن التحصيل. الأمر الذي يفرض على التلاميذ الاعتماد على الحفظ والاستظهار، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف عاجزين عن الوفاء بذلك أمام الكم الهائل من الدروس المتراكمة، ليلجؤوا بعد ذلك إلى الغش، الذي يعتبر أسهل وسيلة لاستدراك ما فات.
وقال تلميذ يتابع دراسته بإحدى المؤسسات التعليمية التأهيلية بالجديدة، إن ظاهرة الغش تفرضها طريقة اختبار التلاميذ وامتحانهم في كتلة من الدروس نهاية كل سنة. ووجه التلميذ ذاته، أصابع الاتهام إلى طريقة وضع الاختبارات الكلاسيكية، التي تعتمد على الحفظ والاستظهار بدل التفكير والتمحيص والاجتهاد والمقارنة والاستنتاج، واقترح السماح للتلاميذ بالاعتماد على المراجع والكتب والاكتفاء بأقل عدد من الأسئلة لوضعهم التلميذ في وضعية تربوية تتغيى البحث والتنقيب.
وقال تلميذ آخر، كرر السنة الثانية للباكالوريا، إن عملية الغش في الامتحانات النهائية، تختلف حسب مواقف الأساتذة المكلفين بالحراسة، فمنهم من يحجز الأوراق المعتمدة في عملية الغش ومنهم من يغض الطرف ويترك الغشاشين يواصلون عملهم. وقال التلميذ ذاته، إن مثل هذه التصرفات تنفي مبدأ تكافؤ الفرص، وترجح كفة تلاميذ مستهترين وغشاشين على حساب تلاميذ مجدين ومثابرين.
من جهة أخرى، برر تلميذ ثالث، سبب اللجوء إلى الغش في الامتحانات، بأن الكل يلجأ إلى الغش، سيما التجار والمنتخبون والأطباء الذين يعملون بالقطاع الخاص بدل القطاع العام والأساتذة الذين يفرضون الساعات الإضافية وأصحاب الطاكسيات والحافلات... وقس على ذلك، فكيف لا يلجأ التلميذ إلى الغش في الامتحانات؟
ولا تقتصر ظاهرة الغش على المؤسسات التأهيلية، بل تتعداها إلى الحرم الجامعي، حيث يتفنن الطلبة والطالبات حتى، في اختلاق طرق الغش في الامتحانات. وقال الأستاذ عز العرب إدريسي أزمي، عضو مجلس كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، إن المجلس انعقد يوم أمس (الأربعاء) للبت في مجموعة من الطلبة، الذين ضبطوا أثناء اجتيازهم لامتحان الفصل الثاني والرابع والسادس، يمارسون الغش. وقال إن المجلس عادة ما يتخذ عقوبات زجرية بحرمان الطلبة الغشاشين من اجتياز امتحان الفصل الموالي ولا يستوفون الامتحان إلا بعد اجتيازه للفصل المحكوم فيه.
وأكد عضو مجلس الكلية، أن الأخير يجتمع في دورة خاصة، كلما توصل بتقرير الأساتذة المكلفين بالحراسة، للبت فيه واتخاذ تدابير زجرية في حق المخالفين.
وعلق أحد الطلبة على ذلك، بأنه نادرا ما تتخذ عقوبات في حق الطلبة، الذين يتم ضبطهم في وضعية غش في الامتحانات النهائية، مضيفا أنه يتم التساهل معهم وغض الطرف عنهم، وهو ما يشجع الباقين على اللجوء كسابقيهم إلى الغش.
وطالب العديد من الطلبة بضرورة العمل على تغيير طرق التدريس العقيمة الكلاسيكية، والتركيز على سياسة ومقاربة تربوية سليمة واعتماد طرق جديدة تربوية لاختبار قدرات التلاميذ والطلبة المعرفية والمهارية، للحد من ظاهرة الغش في الامتحانات وتداعياتها السلبية.