العنف
تقديم
يستخدم لفظ العنف لوصف كل سلوك عدواني فرديا كان او جماعيا,يقدم على استخدام القوة بهدف اخضاع الغير ضدا على ارادته,ومعنى ذلك ان القصدية هي التي تجعل من سلوك ما عنيفا,وليس فقط ما يترتب عن الفعل من اثار تدميرية,فقد نتحدث عن فعل مدمر يكون مصدره الحيوان او الطبيعة ولكنه عنف مجازي لا يحمل اي معنى في داته مادام غير صادر عن نية و ارادة حرة...فالعنف يخص الانسان بوصفه الكائن الوحيد الذي يتخذ
لديه هدا السلوك شكل تصرف واع غايته الحاق الاذى بالغير بأساليب مختلفة.بهدا المعنى يبدو العنف مكونا اساسيا للوجود البشري و لا يشكل استثناء رغم ان الانسان يظل متعلقا بالامل في التحرر منه وهو ما أكده كونراد لورنتز في قوله"لا احد بمقدوره انكار الطبيعة النزوعية و الغريزية العدوانية للانسان. .
*المجال الاشكالي
كيف نشأ العنف ؟ وما اشكاله ؟
ما حضور العنف في التجربة التاريخية الانسانية؟
هل هناك ضرورة للعنف؟ ما مدى مشروعيته؟
I) أشكال العنف
ما الأسباب التي أدت إلى نشأت سلوك العنف عند الإنسان؟ كيف نشأ و ما أشكاله؟
1/موقف اريك فروم
يؤكد اريك فروم ان مختلف مظاهر العنف في السلوك الانساني ليست ناتجة عن غريزة تدميرية او عن الطبع البشري بل هي ترتبط بظروف خارجية,حيث ان هناك طاقة تدميرية في الانسان تقوى بفعل بعض العوامل الخارجية التي ترتبط بالطقوس و الشعائر الدينية
2/موقف سيغوند فرويد
يؤكد مؤسس التحليل النفسي ان الانسان مزود طبيعيا بالميل نحو العنف كوسيلة لحسم الصراع لصالحه مثله في ذلك مثل الحيوان وان كان يلجأ احيانا الى طرق حضارية,يقول فرويد"انه لمبدأ عام ان صراعات المصالح بين الناس تقوى بستخدام العنف وهدا صحيح بالنسبة للمملكة الحيوانية بأسرها, وهي المملكة التي لايملك الناس استبعاد انفسهم منها" ففرويد يرى ان هناك قوتين او غريزتين تتفاعلان بشكل معقد داخل الكائن البشري,هما غريزة الحياة التي تنزع نحو الاستمرارية في الحياة والحفاظ عليها (ايروس Eros) وغريزة الموت التي تميل نحو العدوان و التدمير وانهاء الحياة (تاناتوس Thanatos) وغالبا ما تتدخل الغريزتان في توجيه سلوك الفرد الذي يجمع بين الخلق و البناء و الميل نحو التذمير وفرويد بذلك يعتبر ان العنف كان ملازما للوجود البشري كسلوك يؤدي الى اختلال العلاقات بين الافراد ويهدد الحضارة الانسانية بالانهيار.
3/موفق بورديو
يعتقد بورديو ان هناك عنفا اخر الا و هو العنف الرمزي,وهذا العنف يحقق نجاحا اكثر من العنف المادي ونجاحه يكمن في قدرته على ممارسة تأثيره على الفاعلين الاجتماعيين بموافقتهم,فالانسان بحكم ولادته ينشأ في محيط سوسيوثقافي فيصبح بذلك وبشكل تلقائي,تحت تأثير مجموعة من التمثلات و المسلمات, وهكذا تصبح المعتقدات المتداولة بين الناس وسيلة للثأثير اللطيف و اداة للسيطرة والتحكم دون اعتماد العنف المادي.
4/موقف بودريار
يتجاوز بودريار الموقف التقليدي للعنفن الذي ينظر إليه كسلوك يرتبط بالشر و يتناقض مع الخير ( الحربين العالميتين I و II الحرب الباردة ) فالتفكير المعاصر في العنف يجب أن يخرج عن دائرتي الخير و الشر. فالإرهاب كشكل من أشكال العنف المعاصر لا يؤطره هذين المفهومين، حيث أن الإرهاب كمفهوم للشر أصبح يرتبط بجميع الميادين و يسكن في التخوم و الهوامش، إنه يتعايش مع الإنسان و يسكن داخله.
II) العنف في التاريخ
الاشكال :
ما هي الاسباب التي تؤدي إلى استمرار العنف في التاريخ ؟ هل يرتبط ذلك بقوانين ردعية و بمؤسسات ثقافية و تربوية ؟ ام ان العنف عنصر يساهم في تحقيق توازنات معينة ؟
1/موقف فريدريك انجلز
تعطي الفلسفة الماركسية اهمية قصوى للعامل الاقتصادي في تطور المجتمعات البشرية كما يتضح في نظرية انماط الانتاج التي يمثل فيها الانتقال من نمط انتاج الى اخر تقدما على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي ...
فمع بروز المجتمع الطبقي القائم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، فقد اصبح كل نمط انتاجي ينطوي على تناقض بين قوى و علاقات الانتاج يعبر عن نفسه في صورة صراع طبقي عنيف يؤدي الى تحول ثوري عند ما يبلغ درجته القصوى و بهذا المعنى يمكن الحديث عن عنف اقتصادي يظل سمة ملازمة لتطور المجتمعات الطبقية و يحدد كذلك مسار العنف السياسي لان الحالة الاقتصادية هي التي تتحكم في النظام السياسي بشكل يجعله مهددا بالزوال عندما يصبح عقبة في وجه التطور الاقتصادي. كما يؤكد ذلك حالة كل من الثورة الفرنسية و المانيا و روسيا
2)موقف فرويد
يعتقد فرويد ان اهم تحول عرفه العنف تاريخيا يتمثل في الانتقال من الاعتماد المطلق على القوة الجسمانية الى الاعتماد على العقل,فمنذ ان اصبح الانسان يركز على استعمال الاسلحة اصبحت الحرب عقلية, ويكون الانتصار حليف من يملك افضل الاسلحة, الا ان التاريخ يشهد على ان الانسان نهج مسارا اخر لمقاومة كل من العنف الجسدي و العقلي هذا من خلال الاحتكام الى سلطة القانون, هكذا اصبح الحق قوة جماعية لانه يترجم _في الحقيقة_ اتحاد قوى ضعيفة.
3)موقف طوماس هوبز
يؤكد هوبز على ان حالة الطبيعة هي حالة مساواة بين الناس,اي ان افراد النوع البشري كانت لهم نفس الرغبات ونفس الحقوق على كل الاشياء. وسوف تقودهم هذه المساواة الطبيعية الى العنف و النزاعات ويحدد هوبز ثلاث اسباب اساسية لهدا الصراع:-التنافس الذي ارتبط بالمصلحة الذاتية -الحذر الذي كان ضروريا لتحقيق الامن -الكبرياء الذي ارتبط بالسمعة.
لذلك فحالة الطبيعة هي حالة حرب الكل ضد الكل, ولا يعني ذلك ان القتال كان على الدوام فعليا بل كانت هناك ارادة وتطلع للدخول في الصراع من اجل المحافظة على البقاء وخوفا من الموت.
4)بيير فارنيه
يؤكد فارنيه على ان مختلف مظاهر العنف في التاريخ في التاريخ تتحدد من خلال قوانين اجتماعية ولذلك فهي ليست تعبيرا عن فوضى وانما هي مقننة وينبغي التميز هنا بين نزاعات وحروب داخلية بالنسبة للمجتمع الواحد,ونزاعات خارجية بالنسبة لمجتمعات اخرى.وتكون الاولى منظمة وتخضع لقواعد في اهدافها ووسائلها, اما الثانية فتستعمل فيها كل الوسائل المتاحة غير ان هذا التمييز ليس دائما صحيحا,فالحروب ليست غاية في ذاتها وإنما هي تعبير عن توترات اجتماعية,ونتاج لتعارض منظومات رمزية وثقافية.
5) جيدنز
يؤكد جيدنز على ان العنف الذي كان سائدا في المجتمعات الأيوية اتخد شكل الية للعقاب في يد السلطة الايوية, و ارتبط كذلك باقرار الامن و النظام ,كما ارتبط كذلك على الخصوص في المجتمعات ما قبل الحديثة, بالدفاع عن الشرق,و اذ كان هذا النظام الاخير من العنف قد بدأ ينهار ,او انه انهار فعلا,في غالبية البلدان المتقدمة ليحل محل مجهودات لإحلال و الدفاع عن حقوق الانسان.
II ) العنف و المشرعية
الاشكال:
هل يحق اللجوء الى العنف واحتكاره بدعوى الدفاع عن تصور خاص لما هو عادل وخير و حق؟ هل يمكن الحديث عن اللا عنف؟
1)موقف فير
يؤكد السوسيولوجي الالماني ماكس فيبر ان الدولة يحق لها اللجوء الى القوة والعنف فسيادتها تقوم على عنف مشروع. و يميز بين ثلات اسس تستمد منها الدولة مشروعيتها للسيطرة و العنف سلطة: التقاليد و المقدسات. سلطة كارزمية،تتأسس على السحر الشخصي للزعيم لما يتميز به من مواصفات. سلطة قائمة على قواعد عقلانية وقوانين تستلزم الطاعة (سلطة رئيس الدولة)
2) موقف جوليان فروند
يؤكد في تحليله لسوسيولجيا ماكس فيبر ان النشاط السياسي للدول يفترض وجود مجال جغرافي تفرض فيه الدولة سيادتها وتعمل على تحقيق الامن، داخل حدودها و الحفاظ عليه.وهذا ما يلزم الناس القاطنين داخلها بالخضوع للسلطة لذلك يحق للدولة اللجوء الى القوة والاكراه، المادي كلما دعت الضرورة الى ذلك. وهذا الامر يتطلب امتلاك قوة عسكرية وتنظيم اداري يسهل التدخل في جميع الميادين و قوانين معقلنة.
3) موقف رالف لينتون
يحلل رالف لينتون بعض مظاهر العنف من زاوية انثروبولوجية, فبعض المجتمعات تلجأ الى عدة اجراءات للوقاية من اعمال العنف, اما بإعطاء المشروعية لبعض المنازعات من اجل حسم الخلافات ... و اما باستنكارها اذا كانت تؤدي الى ادى بالغ للافراد, بينما ترفض مجتمعات اخرى اللجوء الى العنف مهما كانت الظروف والمبررات لذلك تعتمد لمواجهة الاعمال الشريرة والعدوانية على الية العقاب التي ترتكز على الطرد و النفي.
4)موقف غاندي
يرفض غاندي العنف جملة وتفصيلا,وبشكل مطلق و راديكالي مهما كان شكله او غايته.
و يعرف غاندي اللاعنف كموقف كوني اتجاه الحياة انه الغياب "التام لنية الاساءة تجاه كل ما يحيا" بمعنى ان اللاعنف كالعنف لا يقع فقط على مستوى الفعل، بل ايضا على مستوى النية. وحسب غاندي يجب التعامل مع العنيفين و الظلمة بطريقة المقاومة الاخلاقية و الذهنية, اي رفض العنف و الامتناع عن ممارسته بالعقل او بالنية مهما كانت الغايات و الاهداف,فمواجهتي لسيف المستبد كما يرى غاندي لا تكون بسيف آخر بل بأن اخيب امله في ان يراني اواجهه بمقاومة مادية بل هو سيراني اواجهه بمقاومة روحية تفلت من تقديره وتحكمه.