خف جسمه وضاعت قيمته.. رحلة عائلة الجنيه من العز إلى الضنك
صورة أرشيفية
" الفلوس قلت قيمتها " عبارة نسمعها كثيرا كلما ازدادت الأحوال الاقتصادية سوءا وعانى الناس من ضيق العيش , فترى كبار السن يتحسرون على قيمة النقود وما ألت إليه من ضعف ويتذكرون الماضى وما كان للجنيه من قيمة وقدرة شرائية هائلة , بل ويتحدثون عن القوة الشرائية لكسور الجنيه وعن القرش والمليم بعد أن أصبحت الأوراق فئة المائة والمائتين جنيه لا تلبى نصف ما كان يمكنهم شراؤه بالجنيه قديما .
فى السطور التالية نعرض لرحلة النقود ومتى بدأت وإلى أين انتهت وكذلك رحلة الجنيه وأبناء عائلته وتطور أشكال النقود عبر التاريخ .
البداية
من المعروف أن العملة كانت غير مستخدمة قديما، وكان الناس يتعاملون بتبادل السلع بشرط أن تكون متساوية فى الحجم أو الكمية مثل أن يكون الجمل يساوى ما قيمته خروفين، وكانت تلك العملية تعرف باسم "المقايضة".
وظهرت من بعدها النقود المعدنية التى صنعت من الذهب والفضة فى الغرب وتحديدا فى بلاد الإغريق وأسيا الصغرى فى القرن السابع قبل الميلاد، ثم المعادن الأقل تكلفة مثل النحاس والبرونز فى الحضارة الرومانية، وبعد ذلك ظهرت النقود الورقية عام 807م، فى عهد الإمبراطور الصينى شين دزونج، الذى أمر أن تودع العملات النحاسية كلها فى خزائن الحكومة وأن يصدر بدلا منها شهادات مدنية ورقية أطلق عليها اسم "النقود الطائرة".
العصر الإسلامى
كلمة العملة فى العصر الإسلامى كان يطلق عليها لفظ "السكة" التى تعبر عن المعادن المتعددة التى تعاملت بها الشعوب العربية والإسلامية من دنانير ذهبية ودراهم فضية.
وبالرغم من أن الملك عبد الملك بن مروان أول من سك نقودا إسلامية مستقلة، لكن الصحابى الجليل والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان أول من عرب النقود الكسروية والقيصرية.
أما هارون الرشيد فقد أعطى ولاة الأمصار حق كتابة أسمائهم على النقود، وبعد أن استقل أحمد بن طولون عن حكم العباسيين ظل يضع اسم الخليفة العباسى على النقود المصرية.
عصر محمد على
انتشرت النقود فى تلك الفترة لتعبر عن هوية الدولة المصرية، وعندما كانت مصر ولاية عثمانية لم يكن يحق لحاكم مصر أن يضرب العملة باسمه، حيث تعد العملة أحد شعارات الحكم.
وتقرر فى عهد محمد أن يكون لوزن الذهب قيمة تعادل 15.52 مثل ما له من الفضة، وكانت وحدة النقود المصرية قطعة ذهبية قيمتها 20 قرشا سميت بالريال الذهبى، وقطعة من الفضة ذات عشرين قرشا وسميت بالريال الفضى.
واحتكر محمد على باشا سك العملة، غير أن هذا الإصلاح فشل، ما أدى بمحمد على باشا إلى إنشاء بنك فى الإسكندرية تكون مهمته تحديد القيمة الحقيقة للعملات المتداولة فى مصر.
وفى عصره تم إصدار الجنيه المصرى وبدأ التعامل به عام 1836 ومعه عرفت مصر مجموعة من القطع النقدية من فئات مختلفة.
ويرجع سبب تسمية الجنيه إلى دولة غينيا، وهى بلد إفريقى كان يستخرج منه الذهب وتصنع منه العملات الذهبية، وكانت العملات المعدنية لها بريق جذاب، وكانت المائة قرش المصرية تساوى الجنيه الإنجليزى القديم.
محمد سعيد باشا
شهد عصر محمد سعيد باشا صدور النقود المدون عليها الهلال والنجمة، وهما شعارا الدولة المصرية .
وكان أهم ما ميز النقود المتداولة فى عصر سعيد هو هذا الإصدار النقدى الذى صدر عام 1279 هـ/ 1862 بقيمة 20 بارة "قرش"، وحمل اسم محمد سعيد باشا والى مصر، وقد سك هذا الإصدار فى دور الضرب فى أوروبا .
ويعد هذا الإصدار أول إصدار نقدى حمل اسم حاكم مصرى فى العصر الحديث رغم تبعية مصر للدولة العثمانية.
الخديو إسماعيل
فى عصر الخديو إسماعيل صدرت النقود التذكارية بمناسبة افتتاح قناة السويس، وسكت هذه النقود فى فرنسا بقيمة 20، 50 سنت وذلك عام 1281 هـ/ 1865.
وقد حملت الإصدارات النقدية فى عصر الخديوى إسماعيل اسم السلطان عبد الحميد الثانى العثمانى.
جنيه "إدريس أفندى"
تعد حكاية "جنيه إدريس أفندى" الذى وضع عليه صورة فلاح مصرى بسيط، واحدة من أغرب حكاية النقود فى التاريخ حيث أن صاحب الصورة اسمه "إدريس" وتم وضع صورته على الجنيه المصرى عام 1924م.
كان إدريس الأقصرى يعمل لدى الأمير فؤاد (السلطان فؤاد فيما بعد ثم الملك) وقال له ذات يوم "أبشر لقد حلمت بأنك ستكون ملك مصر وستجلس على العرش"، هنا نهض فؤاد ووعد إدريس خيرا أن تحقق حلمه، وكان حلما بعيد المنال، فقد كان الإنجليز وراء الكواليس يبحثون عمن يولونه عرش مصر ويدير دفة الحكم لصالحهم ووجدوا فى فؤاد ضالتهم فهو الوحيد من وجه نظرهم الذى يمكن أن يخدم إمبراطوريتهم ويحركونه كما يشاءون، فنصبوه سلطانا على مصر ثم ملكا عليها وجعلوا الملك وراثيا فى أسرته.
وتحقق حلم "إدريس أفندى الأقصرى"، وكافأه "الملك فؤاد" أعظم مكافأة حيث وضع صورته على أول جنيه مصرى من العملة الورقية يطبع باسم المملكة.
الملك محمد فاروق
الملك محمد فاروق هو الوحيد الذى حملت وحدات النقد المصرى صورته بين حكام مصر منذ تولى محمد على باشا الولاية على مصر فى عام 1805م.
وفى عهده ظهرت مجموعة من العملات بأشكال مختلفة تعبر عن البنك الأهلى، وكانت تتمثل فى الورقة فئة 5 جنيهات سنة 1941م، ثم ظهرت عملات أخرى منها ورقة العشرة جنيهات سنة 1945.
كما ظهر فى عهد فاروق قطعة ذهبية من الخمسة قروش، كما ظهرت أيضا قطعة فضية من العشرين قرشا ونقش على وجه العملات إمضاء السلطان العثمانى عبد المجيد بن محمود خان عز.
وفى سنة 1955 ظهرت العشرة جنيهات برسمة فرعونية، وأيضا الخمس جنيهات سنة 1957 وبها الشكل الفرعونى.
العملات المنقرضة
من أبرز العملات المنقرضة "النكلة" التى تعادل مليمين، وكانت لها قوة شرائية لا بأس بها، فى نهايات الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضى.
أما القرش فكانت له قيمة شرائية كبيرة للغاية فى هذا التوقيت، حيث يتكون من عشرة مليمات، كل مليم له قيمة شرائية، وكان نصف القرش يسمى "تعريفة".
فى العام 1884م، صدر "الشلن" وهو عملة فئة 5 قروش مصنوع من النحاس، وعلى وجه هذه العملة صورة أهرامات الجيزة الثلاثة، وظهر بشكله الجديد عام 1892 مكون من النحاس والألمونيوم الصلب والنيكل ووجهه الفخار الإسلامى.
وظهرت البريزة وقيمتها 10 قروش عام 1884، وهى أيضا مصنوعة من النحاس والألومنيوم، وعلى وجه هذه العملة صورة مسجد محمد على.
أما الريال وقيمته 20 قرشا فظهر عام 1884 من النحاس والنيكل، وعلى وجهه صورة للجامع الأزهر.
وفى فترة الثمانينيات ظهرت العملات الورقية فئة الربع جنيه وهو 25 قرشا، وكان شعاره النسر وسنبلة قمح وذرة وقطن، ثم صدرت الخمسين قرشا، وكان على ظهر العملة تمثال رمسيس الثانى، أما ظهر الجنيه فكان معبد أبو سمبل.
وفى يوم 1 يونيه 2006 استبدل البنك المركزى المصرى العملات الورقية الصغيرة وهى الجنيه والـ50 قرشا والـ25 قرشا بالعملات المعدنية، وقال: "إن مدة تداولها تتراوح بين 15 و20 عاما".
ظهور 200 جنيه
فى عام 2007، طرح البنك المركزى أغلى ورقة نقدية فى مصر وهى ورقة فئة 200 جنيه، ثم تواردت الأنباء حول إصدار ورقة فئة 500 جنيه نتيجة لتضاعف التعاملات النقدية فى مصر كل 5 سنوات تقريبا، لكن ذلك لم يحدث حتى وقتنا هذا.