أحياناً يضعُكَ الله في ظَرْفٍ صَعْب يظْهر كمالك فيه ، فالحُزْن خلاق والضَّغْط الشديد يجْعلك ألْماساً كما أنَّ الحرارة تجعلك كذلك ، فالحرارة العالية والضَّغْط الشديد يحولان الحجر إلى ألماس والآن هناك ألْماس صِناعي يُسَمُّونه الزركون يأتون بالفحْم العادي يضغطونه ويجعلونه تحت الحرارة العالية فيُصبح ألْماساً إلا أنَّه عند الاسْتعمال يطفؤ أما الأصلي فلا، فهذا هو التشْبيه الضِّمني
محمَّدٌ بشرٌ وليس كالبشر فهو جَوْهرة والناس كالحجر
فإن تفُقِ الأنام فأنت منهم فإنّ المِسْك بعض دَمِ الغزال
من يَهُن يسْهُل الهوان عليه ما لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيـــلام
وبعدُ فهناك مَثَل جميلٌ جداً يُوَضِّح هذه الآية ، قوله تعالى :
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة البقرة ]
انْظر إلى غارس جنَّةٍ من الجنات وهو البسْتان ، خبيرٍ بالفِلاحة ، غَرَسَ أشْجاراً وتعاهَدَها بالسّقْيِ والإصْلاح حتى أثْمَرَتْ أشْجارُها ، فأقْبَلَ عليها يفْصِل أوْصالها ، ويقطع أغْصانها لِعِلْمِه أنَّها لو تركتْ على حالها لم تطب ثِمارها ، والتَّقْليم بتْر بعض أغصانها الضعيفة وهو الذي يجْعل ثِمارَها يانِعَة ، فَيُطَعِّمُها من شَجَرة طيِّبَة الثَّمْرة حتى إذا الْتَحَمَتْ بها واتَّحَدَت وأعْطَتْ ثَمَرَتها ، أقْبل يُقَلِّمُها ويقْطع أغْصانها الضعيفة التي تُذْهبُ قُوَّتها ، ويُذيقها ألَمَ القطْع والحديد لِمَصْلَحَتِها وكمالها لِتَصْلُحَ ثَمَرَتها أن تكون بِحَضْرة المُلوك ، ثمَّ لا يدعُها ودواعي طبعها الشرب كلّ وقْتٍ بل يُعَطِّشُها وقْتاً ، ويسْقيها وَقْتاً ، والإخوة المُزارِعون يعْرِفون هذا الأمْر ، هناك شيء إذا عَطَّشْتهُ يجود ثَمَرُه ، ولا يتْرك لها الماء دائِماً وإن كان ذلك أنْضر لِوَرَقِها ، وأسْرع لنباتها بل يعْمد لِتِلْك الزِّينة التي زُيِّنَت بها من الأوْراق فَيُلْقي عنها كثيراً منها، ويساقط الأوراق حتى لا تسْتهلك الغِذاء وينقلب الغِذاء للثَّمْرة ، لأنّ تلك الزينة تَحول بين ثَمَرِها وبين نُضْجِها واسْتِوائِها كما في شَجَر العِنَب ونحْوِه فَهُوَ يقطع بعض أعضائها بالحديد ، ويُلْقي عنها كثيراً من زينتها ، وذلك عَيْنُ مَصْلحتها ، فلو أنَّها ذات تمْييز كالحيوان لَتَوَهَّمَتْ أنَّ ذلك إفْسادٌ لها ، وإضْرارٌ بها ، وإنَّما هو عين مصْلَحَتِها .
فالمُصيبة هذه هي مُشْكِلَتُها ؛ أنّ المؤمن يفْهَمُها وغيره لا يفْهَمُها ويشْقى بها أما المؤمن فَيَسْعَدُ بها .
قال : أحكم الحاكمين ، وأعلم العالمين ، وأرحم الراحمين ، وهو الذي أرْحم بِعِباده منهم من أنفسِهِم ، ومن آبائِهم وأُمَّهاتهم إذا أنْزل بهم ما يكْرهون كان لهم خيراً من ألّا يُنْزِلُه بهم ، نَظَراً منه لهم وإحْساناً إليهم ولُطْفاً بهم ، والدعاء النبوي الشَّهير: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا *
[ رواه أحمد ]
أيها الإخوة ، مِحْوَرُ هذا الدرْس قوله عليه الصلاة والسلام : والذي نفس محمد بيده - هذه بشارة لنا جميعاً إن شاء الله - لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له وليس ذلك لغيرالمؤمن.
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلمَ عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ *
[ رواه مسلم ]
فالله هو رب العالمين وهو المُرَبِّي وما عليك إلا أن تفْهم ترْبِيَتَهُ لك ، وأنا لي كلمة باللُّغة الدارجة : إذا فهِمْت على الله تكون قد قطعت أربع أخْماس الطريق إليه ، لماذا فعل بك هكذا ؟ ابْحث عن السبب ، فإذا بحثْتَ عنه بطل العجب .
حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ قَالَتِ الْحُمَّى لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا فَقَالَ لَا تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ *
[ رواه مسلم ]
إذا آمنت بالله واستَقَمْتَ على أمْره كان هذا كُلُّه خير ، وقد تجد أنَّ المَنْع عَينُ العطاء ، ربما منعَكَ فأعْطاك وربَّما أعْطاك فَمَنَعك ، ومِحْوَر الدرْس قوله تعالى
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة البقرة ]
والحمد لله رب العالمين