لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد خلق الله تعالى البشر لعمارة الدنيا ، قال تعالى {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} 61 / هود، ولن يطيقها الإنسان إلا بتدبير الأحوال سيرا إلى الأمام، والخروج من كل ضائقة.
ولتحقيق كل غرض، لابد من إنتاج كل ما يحتاج إليه من وسائل العيش وأساليب التحكم فيها، وحينها نجد الإنتاج منفعة متمثلة في صورتها النهائية.
وللوصول إلى الصيغة النهائية لقيمة معينة يتحتم عمل دائم لا يخفى على أحد ضرورة استعمال كل القوى العقلية والذهنية فيه.
ومن مجالات ما سلف: التأليف والعمل الفكري، الذي أصبح بمرور الزمن من المخرجات السريعة الكثيفة المتطورة باستمرار، ولذلك يتزاحم عليه التقاسم البشري من الصنفين.
فإما موهبة ملهمة تفجر النتائج، وصدق يبهر المحيطه.
وإما إبداع واجتهاد في تطوير الوسائل والأساليب، ابتغاء التـقدم بـها، فيدفع حامله نحو النبوغ كلما حقق شيئا به.
وإما تكلف في التمثل بصورة المبدع، وتقليد لمحاكاة الغير يظهر في عمله وإنتاجه اعوجاج يخبر عنه.
فالفكرة هي منطلق كل الملفات الذهنية المشابـهة تقود إلى تركيز يحرك الأحاسيس والمشاعر التي تؤدي إلى السلوكيات المختلفة، وبالتالي فمعالجة الفكرة أساس القوامة الاجتماعية بحكم موقعها من خطر أوأهمية.
وفي رأيي تعود أسباب ذلك إلى مايلي:
1 / المبدع :
لأنه يملك كثيرا من العناوين تتزاحم على ذهنه يجد اضطرارا لإخراجها من مخازن العقل الباطن والضمير الإنساني إلى الظاهر.
شعوره بواجب التبرع لغيره بما وهبه الله من رأي حصيف.
إحساسه بالحاجة الماسة إلى الشراكة العامة والاجتماعية.
امتلاكه ثقافة معتبرة يبلورها في إطار الكتابة.
الرغبة الجامحة في الخروج مما قد يضيق عليه من مساهمات في أطر أخرى مع قدرته الواضحة.
الرغبة الملحة في إثراء النقاشات المختلفة.
حب نصح الآخرين.
الرغبة في حرية إبداء الرأي
ومظاهرها نجمل أهمها فيما يلي:
ترتيب الوقت.
الاهتمام الشديد بالقضايا الأولية.
مصاحبة القلم والورقة أوالحاسوب.
التفكير الدائم.
البحث المستمر عن الناشرين.
امتلاك القيم المعتبرة والمرتبة.
المرونة في الطرح.
أما النتائج الناجمة عما سبق فأهمها في رأيي:
ترتيب المواضيع.
القبول لدى الآخرين.
منحه الآخرين حرية اختيار الأفكار بسبب تعدد الطروحات.
العضوية الاجتماعية والثقافية الفعالة.
التفريغ العلمي لما في مخازنه الفكرية والثقافية.
التنفيس بسبب المضايقات.
استقبال الأفكار المخالفة.
استـفادة الآخرين من فرصة النصائح.
إشاعة حرية الرأي.
2 / المتكلف :
فتعود دوافع عمله الفكري إلى ما يلي:
تقليد الغير ومحاكاتـهم.
حب الظهور.
الحاجة إلى الخروج من عقد اجتماعية ونفسية.
البحث عن التموقع.
الانتقام من الأوضاع.
ولذا تتبين مظاهر ما سبق فيما يلي:
ركاكة التعبـير.
فوضى الفكر.
فوضى التأليف مع ظهور مفاجآت وانعدام التوازن.
فوضى الوقت.
فرض الرأي وتعصب الطرح.
غياب القيم بين السطور.
غياب أولوية القضايا والمسائل المهمة لأن الدافع الأهم لديه هو ما سبق من الأسباب فقط.
التـفكير في الأنداد والأتراب مع مد وجزر في العمل.
أما النتائج الناجمة فهي:
إدبار القارئين.
تكريس الرداءة الفكرية والعلمية وحتى الأخلاقية.
بحثه الدائم عن نتائج استهداف الظهور.
التردد بين نتائج الانتقام.
فتح جبهات غير محسوبة العواقب.
امتلاء الكتابة بذكر الأنداد أسماء أومعان.
وبالمقارنة بين المبدع والمتكلف في الأسباب والمظاهر والنتائج يتبين في رأيي انعدام الحساب الجاد لماسبق عند المتكلف ، مع ملء ساحة الفكر لغطا وزبدا يعطل النفع عن الانطلاق من مظانه صافيا ، مع وصوله إلى مقاصده معكرا.
على خلاف المبدعين الذين قد ينقسمون إلى من يتناول الكتابة بجد وحساب نتيجة كل حرف أو موقف أوكلمة ومن يبادر بحكم الموهبة دون احتساب ما سبق مع جريان النتائج على النحو الفارط من باب الحظ الحسن.
فعلى المبدع أن يساير وتيرة إبداعه ويدفع قوة النفع العام ، إذ عمله ليس له وحده فقط وتأثيره متعد، أما المتكلف فليس من اللباقة تثبيطه بالتوقـف عن العمل والمساهمة ، بل بتحويل المقاصد والأهداف، كي يتمكن من السير في السبيل السوي ، فتمتلىء الساحة الفكرية بالإثراء عوض التناطح والتراشق والمضايقة النفسية والإحباط المعنوي، وبذا نكون قد قدمنا نفعا عظيما للأمة بدل تيهانـها بين الأفكار المشتتة بفعل أسباب ليس لها فيها كلمة ولاحرف.