دِيسَمْبْرْ ، لَهُ سِر عَجيب ، شهر مميز بكل ما فيه ، ببرودته ، بمطره ، بثلجه ، بوجعه ، بشوقه ، بحنينه ، وبقمعه للأحلام ، إنّهُ خاتم أشهُر السنة ،
عكس الشهور ٱلأخرى فهو لا ينجب بعده أي شهر ، كأنّه مصاب بعُقم !
من رحم هذا الشهر العقيم في السنة الماضية وُلدت أُنثى ، فكانت ٱستثنائية ، فتاة تُدعى ' ملاك ' ذات التسعة عشر سنة ،
كانت تِلك أوّل سنة لها في ٱلجامعة ، أوّل دِيسَمْبْرْ هناك .
من قبل كانت أحيانا أو ربّما غالبا تبدو غريبة نوعا ما ، تجلس وحيدة تتابع سرب ٱلأصدقاء بفضول ،
يتهاوى قلبها لمتابعة تجمّعاتهم و سَماع ضحكاتهم و تكاتف أياديهم ، لَطالما غَلب على صَوتِها الصّمت في حضور الكلام ، لَطالما عاشرت الصمت واتخذتْهُ جَليساً .
كلّ ما تعلَّمته هو ٱلإصغاءْ ، كان لَديها حَذر من الإفصاح ، كانَت تقرأ ما وراء الكَلام وتسمَعُ ما خَلف الاصواتِ وتشعٌر بِما يُخبّئ فِي ثَنايا الفَضفضات ،
كلماتها المَعدودة .. لا تَلبثُ البَدء حَتى تَغلق صَفحات بَوحِها ، كانت مدروجة تحت غِشاء هَش ، قابِعة فِي زاويَة اللامُبالاة ، لَم تَكُن تَنال إعجَابِها هاته الدُنيا الغَريبة .
كم مرّ عليها من دِيسَمْبْرْ لكنه لم يغيّر فيها أيّ شيء ! إلاَّ أنّ هذا العام تعرّفت على شخص قلب حياتها رأسا على عقب ،
شخص أخرجها من ٱنطوائيتها و عزلتها ، جعلها أكثر ثرثرة من أي وقت مضى ، سمير ، جعلها تُنجب من رحم شهر ٱلحنين .
كانت ملاك تستيقظ بضِحكَة تُلقِيها فِي الصَباحُ ، تغير تيابها و تتناول وجبة فطورها بسرعة البرق ، كي تخرج لتأخد الحافلة للذهاب إلى الجامعة ،
من نفس المكان بالظبط الذي يأخدها منه سمير ، تجلس وراءه و تحمل كتابها بين يديها ، تنظر إلى ٱلورقة مرة وإليه مرات ، كان يجذبها إليه هدوءه و تواضعه ،
لم تصدّق نفسها يوم تحدّث إليها و طلب منها