يحز في نفس كل الإنسان أن يقابل عمله بالجحود ونكران الجميل . فحين ينسب بعض المسؤولين عن الشأن التعليمي ببلادنا فشل المنظومة التربوية إلي المدرس وحده فذلك هو الجحود عينه و الهروب من المسؤولية . بل إن بعضهم صرح أن البرنامج الإستعجالي لإنقاذ المدرسة وصل أبوابها ولم يدخل حجراتها .إن الإصلاح الذي يتكلمون عنه هو علي الورق فقط وليس اصلاحا للمشكلة التعليمية .لأنه ليس نابعا من الواقع الاجتماعي للمجتمع المغربي.فكثير من الوزراء على حد قول المفكر المغربي المهدي المنجرة في إحدى حواراته يجب أن يحاكموا نظرا لما أحدثوه من تدمير لمستقبل .أجيال من المواطنين.فكم هو سهل أن يقتبس شخص نظرية تربوية أو نظاما تعليميا )مثلا بيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا الكفايات( من بلد ما ، ويحاول تطبيقه علي واقع أخر وبيئة أخرى مختلفة تماما في اللغة والعادات والدين و الإنسان و السياسة . إن كل فكر هو نتاج واقعه الذي أفرزه فالإنسان ابن بيئته .إننا نعلم علم اليقين أن القانون في ميدان الفيزياء أو علم الطبيعة بل حتى في العلوم الاجتماعية يصرح بدون غموض بالقاعدة العلمية التالية : إن نفس الأسباب تؤدي ألي نفس النتائج إذا توفرت نفس الشروط.إذن نجاح نضرية تربوية نابع لشروط و ظروف خاصة ، ترتبط بطبيعة المدرسة و المدرس والتلميذ والبرنامج و الكتاب المدرسي و العلاقات التعليمية بين المدرس و التلاميذ ، و العلاقات الاجتماعية بين المدرس و أباء التلاميذ ، و العلاقات الإدارية بين المدرس و المفتش و المدير……..الخ والقيمة التي تعطيها الدولة و المجتمع للمدرسة و المدرس. هذه أمور يجب أخذها بالاعتبار عند اقتباس نظرية تربوية أو نظام تعليمي لتطبيقه في بلدنا.المشكلة أن الإصلاح عندنا لا يكون إلا سطحيا ، ارتجاليا لايخضع للتحضير والتجريب و التقويم ولا يأخذ العوامل والمعطيات المساهمة في النجاح ، ولا كل الفاعلين في الحقل التربوي. إن إصلاح التعليم لايمس كل مكوناته ، ولايرتبط بالاصلاح الشامل للمجتمع ومؤسساته.إن التلميذ المغربي لايختلف عن أي تلميذ في العالم المتقدم أو المتخلف . فنحن لا نرث الغباء من أمهاتنا ، ولاهم يرثون الذكاء من أمهاتهم . الطفل طفل في كل زمان وفي كل مكان . لكن المجتمع والعقل الجمعي هو مصدر وسبب الإختلاف بيننا وبينهم .كان المدرس ولا يزال في قفص الإتهام من طرف الوزير إلى المدير إلى المفتش إلى أباء التلاميذ إلى التلاميذ أنفسهم . لا أحد يحترمه أو يمنحه التقدير. هذا الشخص الذي كان في وقت من الأوقات في مرتبة الأنبياء و الرسل. ألم يقل الرسول الكريم “إنما بعثت معلما”إن ما يخلق الإحباطات وخيبة الأمل هو الواقع المادي والإجتماعي الذي يعمل فيه المعلم. فهل نقبل ان يكون المدرس هو المسؤول الوحيد عن الفشل الدراسي وفشل المدرسة وفشل المشروع التربوي ؟؟؟ لننظر إلى الأمر بمنظار مكبر : المدرس ليس المسؤول عن تحديد فلسفة التعليم وأهدافه على المدى البعيد أو المتوسط أو القصير. وليس مسؤولا عن إقرار البرامج و المناهج والكتب المدرسية ، وأنواع المواد المفروضة تدريسها ،ولا عن المحتويات من حيث تحديدها وكمها وترتيبها في مستوى معين أو في كل المستويات ومراحل لتعليم.وليس مسؤولا عن التطبيقات وعددها وزمن إنجازها وما تتطلبه من وقت. وليس هو من يرتب المواد المدرجة في اليوم الدراسي وفي الأسبوع سواء لدى المدرس أو لدى التلميذ .وليس هو من يحدد الإستراحة اليومية أو العطلة الأسبوعية أو الدورية أو السنوية. وليس هو من يتظم حجرة الدراسة من حيث جلوس التلاميذ بكيفية تتناسب مع التعليم الجمعي والطريقة التقنية وكان من الواجب أن يتناسب جلوس التلاميذ مع نوعية النشاط المطبق….إن المدرس ليس مسؤولا عن مواضيع ألامتحانات ومواقيتها وظروف إنجازها من حيث المكان والزمان ، ولا من حيث تقويمها. بل إنه لا يتدخل حتى في عدد الأوراق التي يستطيع تصحيحها، ولا في الزمن المناسب لتصحيحها .ليس المدرس من ينظف القسم إذا أبدى المفتش ملاحظة عن نظافة القسم. وليس مسؤولا عن ما يظهر على التلاميذ من عدم اهتمام أو عياء أو فتور أو كسل ، إذا كانت الحصة الأخيرة في الصباح أو بعد الزوال . وليس مسؤولا عن مراقبة كل دفاتر التلاميذ ، وهل يدونون دروسهم أم لا. لأن ذلك يتطلب إجهازا علي وقت التلميذ في الدراسة و التعلم .إن المدرس بصريح العبارة لايمكن أن يقوم بشكل يومي وفي كل الحصص بدور الدركي الذي يبحث عن المخالفات.كما أنه لا يحب أن يمارس عليه الآخرون دور الدركي الذي يفتش فقط عن عيوب المدرس حتى الجسدية منها ………فإذا كان بعض المدرسين قد أعطوا الانطباع لدى الرأي العام بالغش و الكسل و اللامبالاة لانعدام الضمير المهني لديهم . فلا يعني ذلك أن كل المدرسين في سلة واحدة.إن التعميم خطأ فادح في العلوم كلها ، إنه ضرب لمبدأ النسبية . إن هذا ينطبق علي المديرين و المفتشين والتلاميذ أيضا.إن المدرس وسيط بيداغوجي بين الكتاب المدرسي و التلميذ . وطبيعة المادة المدرسة تفرض طريقة التعامل معها. وتفرض استعمال الوسائل والأدوات الخاصة بها .فما ينبغي محاسبة المدرس عليه هو ما يدخل في جوهر اختصاصه كتواجده في العمل والمواظبة عليه ، وأخلاقه ، والقيام بواجبه المهني ، وحسن تعامله مع تلامذته.أما نتائج التعليم والتعلم فهناك عدة أطراف مسؤولة عنها. منها طبيعة المواد هل هي في مستوي التلاميذ؟ هل عدد الدروس مناسب لأيام السنة الدراسية؟ هل تطبيقات التعلم لها غلاف زمني مناسب؟ المشكلة العظمى أننا لا نهتم إلا بإنهاء البرنامج الدراسي حتى وإن كان لا يساير إيقاع التعلم عند التلميذ. مع العلم أن هذا يخلق تعثرات كبرى لدى نسبة لا يستهان بها من التلاميذ.فلا نهتم هل وسائل التعليم ووسائل التعلم متوفرة بالقدر الكافي ؟ هل المواد المدرسة خاصة تلك التي تتطلب انتباها وتركيزا موجودة في الزمن المناسب للتلميذ و المدرس ؟ هل عدد التلاميذ في حجرة الدراسة يسمح بتسهيل عملية التعليم والتعلم؟ هل يمكن للمدرس أن يقرر من ينجح في التلاميذ أم أن الخريطة المدرسية هي التي لها الكلمة الفصل ؟؟؟؟ أن الخريطة المدرسية تسمح للتلاميذ الذين قد لا يحسنون القراءة والكتابة والإملاء والنقل والحساب والتعبير الشفوي والكتابي بالانتقال والنجاح إلي المستوي الأعلى .و يراكمون الثغرات في كل درس وفي كل سنة ، إلى أن يصلوا إلى مستوي دراسي يصبحون فيه عاجزين عن مسايرة الدراسة وما تتطلبه من كفاءات ذهنية ومعرفية ، فينصرفون إلى الفوضى والضجيج أو اللامبالاة كتعبير عن العجز على المسايرة.خلاصة القول وخاتمته ، من السذاجة أن يكون المدرس وحده في قفص الإتهام . بل إن هذا القفص يجب أن يتسع للجميع بما فيه المجتمع الذي لا يحترم المدرس ولا يقدره ولا يشجعه ولا يعترف له إلا بالنقائص والعيوب………….فالكل مسؤول في هذه الوضعية وله يد مساهمة فيها من قريب أو بعيد ، وبالقليل أو الكثير.فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته.هكذا علمنا من بعثه الله سبحانه معلما.