الصيام فى شرائع السماء وعقائد الأرض

الصيام فى شرائع السماء وعقائد الأرض

تأتى أهمية الصيام، من تأثيره في تهذيب النفس البشرية، فالصيام في معناه البسيط هو الكف عن الطعام والشراب والشهوات وصون اللسان، ويؤدى كل هذا إلى صون النفس البشرية خلال فترة القيام بهذه الفريضة عن كل النعم المادية للحياة والتي تؤدى عند زيادتها إلى فساد النفس.
وتعد فريضة الصيام من الفرائض التي لم تختلف عليها الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية، والمسيحية، والإسلام، إذ اتفقت على الفريضة، وإن اختلفت طريقة أدائها من ديانة إلى أخرى، بينما اختلف الأمر بالنسبة للصيام، في العقائد الأرضية، مثل البوذية، والهندوسية، والبهائية، والرائيلية، والفرق الصابئة.

الصيام في اليهودية:
نصت الشريعة اليهودية على فريضة الصيام، حيث صام موسى عليه السلام، أربعين يومًا، لم يتخللها فطر عن الطعام والشراب والجماع -بحسب تفسير بن كثير- أما بالنسبة لليهود ففرضوا على أنفسهم يومًا واحدًا للصيام هو يوم "الغفران"، ويستمر الصيام فيه لمدة 25 ساعة متواصلة، أما غير ذلك من الصيام فيعد بالنسبة لهم نوافل ارتبط أغلبها بالأعياد، وتبلغ 15 عيدًا، ومن أهمها عيد الفصح وهو العيد الخاص بهروبهم مع النبى موسى من مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
وينقسم الصيام عند اليهود إلى صيام جماعى وصيام فردى، وهناك أيضًا الصيام الأبدى الذي يشمل الامتناع عن تناول بعض الأطعمة بشكل نهائى، منها أكل الحيوانات التي تقدم قرابين أو تناول شحمها، وبعض الحيوانات مشقوقة الظلف مثل الغراب أو الأسماك الذي ليس لها زعانف أو حراشف، كما حرمت عليهم أكل الميتة وشرب الخمر في بعض الأوقات.
أما الصيام الفردى فتؤديه الأسر اليهودية في محاولة للتكفير عن الخطايا، أو في حالات الحزن، أما الصيام الجماعى، فينقسم إلى صيام ثابت يؤدونه في ذكرى الاضطهاد والتشريد، وصيام غير ثابت في حالة رداءة المحصول، والتعرض لغارات الجراد، والهزيمة في الحروب، كما يؤدى اليهود ما يسمى صيام الصمت، ويكون بالصمت عن الكلام والاعتكاف في محاولة للتوبة والتقرب إلى الله.

الصيام في المسيحية:
لا يأمر الكتاب المقدس بالصوم، لكنه مذكور أو مدون في أعمال الرسل، ويعتبره الإنجيل شيئًا نافعًا، وللمسيحية فلسفة خاصة للصيام، فهى تعتبره طريقًا للتركيز مع الله، وتعبير عن العلاقة الجادة معه.
ويختلف الصيام في المسيحية بحسب الطائفة والكنيسة، فبالنسبة للكاثوليكية لا تلتزم إلا بالصيام الكبير والذي تبلغ مدته 40 يومًا، كما صام المسيح بالبرية قبل صلبه طبقًا للشريعة المسيحية، ويكون صيامها بالامتناع عن أكل منتجات الألبان والبيض واللحوم، وأى طعام به "روح"، ويبدأ من منتصف الليل، ويكلف به من بلغ سن الــ15 وحتى سن الـ60 بالنسبة للرجال، والـ50 بالنسبة للنساء، ويبدأ من يوم اثنين الباعوث وحتى عيد الفصح، كما أخذت الكنيسة الكاثوليكية بصيام الصمت وهو لين على العامة ليتناسب مع عملهم وطبيعة الحياة، وشديد مع رجال الدين بالأديرة ومرتبط بأعيادهم.
أما الصيام في الكنيسة الأرثوذكسية، فهو الامتناع عن الحيوانات، والاقتصار على أكل البقول، وعدم قيام مراسم الزواج، وتبلغ مدة الصيام الكبير55 يومًا ويبدأ بيوم الأربعاء وهو يوم المؤامرة للإيقاع بالنبى عيسى عليه السلام، طبقًا للشريعة المسيحية، وينتهى يوم الجمعة وهو يوم الصلب، والذي يوافق عيد القيامة.
ويصوم الأرثوذكس صيام الميلاد وعدد أيامه 40 يومًا تبدأ من 25 نوفمبر وحتى 2 يناير، وهناك أيضًا صيام العذراء ومدته 15 يومًا، بالإضافة إلى صيام العنصرة، وهو يومى الأربعاء والجمعة، وصيام الرسل وليس له أيام محددة، وصيام البراموى وهو ما يسبق عيد العماد.
وانبثق عن الطائفة الكاثوليكية طائفة البروتستانت، أو المذهب البروتستانتى، ونشأ هذا المذهب منكرًا على البابا عصمته، واعتبرت الصيام بكل أشكالة نوافل لمن رغب في أدائه، وأنكرت عليه الفرضية لعدم النص عليه في الإنجيل.

الصيام في الإسلام:
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، كانت هذه الآية بداية فرض الصيام على المسلمين، لتعزيز التقوى في النفس البشرية، والشعور بالفقراء، والإحساس بنعم الله في الطعام والشراب.
ونظرًا لأهمية الصيام، اختصه الله سبحانه وتعالى لذاته، إذ يقول في الحديث القدسى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به"، ويعتبر الصيام ربع الإيمان، لقوله النبى صلى الله عليه وسلم "الصوم نصف الصبر"، وقوله في حديث آخر "الصبر نصف الإيمان"، وعليه يكون الصوم ربع الإيمان.
وتؤدى فريضة الصيام في الإسلام عن طريق الانقطع عن الطعام والشراب والشهوات من أذان الفجر وحتى أذان المغرب.
ويعد صوم شهر رمضان هو الصيام الوحيد المفروض على المسلمين، وباقى أنواع الصيام من النوافل، مثل صوم 6 أيام من شهر شوال، ويومى الإثنين والخميس من شهرى رجب وشعبان أو طوال العام، أو صيام أيام 13، و14، و15 من الشهور الهجرية، ويومى 9 و10 من المحرم ذكرى عاشوراء، وصيام يوم عرفة الذي يسبق عيد الأضحى، لمشاركة الحجيج على جبل عرفات تقربهم إلى الله.
ونهى الإسلام عن صوم العيدين، الفطر، والأضحى، وأيام التشريق وهى 11 و12 و13 ذى الحجة، وإفراد يوم الجمعة بالصيام، منفردًا فلابد أن يسبقه يوم أو يعقبه يوم، وكذلك من غير المستحب إفراد يوم السبت بالصيام، حتى لا يحدث توافق مع اليهود.

الصيام في العقائد الأرضية:
البوذية:
تعتبر من أشهر العقائد غير السماوية، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى "بوذا" الذي في القرن الـ15 قبل الميلاد، وينتشر أتباعها في الصين، اليابان، نيبال، بورما، الهند، وسريلانكا، ويصوم البوذ أربعة أيام فقط من الشهر القمرى، هي الأول، التاسع، الخامس عشر، والعشرين، وتبدأ من شروق الشمس حتى غروبها، وتعرف بـ "اليوبوذانا"، ويحرم فيها على البوذى مزاولة أي عمل، حتى إعداد طعام الإفطار، ولذلك يعدون طعامهم قبل شروق الشمس.
وتنقسم البوذية إلى 18 فرعًا، منها ما يفرض على الناسك البوذى صيامًا أبديًا ولا يأكل إلا وجبة واحدة، ويقال إن بوذا جرب الامتناع عن الطعام حتى شارف على الموت.

الصابئة:
هي فرقة توجد في جنوب العراق، وتعتمد على ضم ما يستهويهم من الديانات الأخرى، وينصب صيامهم على عدم أكل اللحوم، والامتناع عن شرب الخمر، لمدة 30 يومًا متفرقة على مدى العام.

الهندوسية:
ينقسم أتباع الهندوسية إلى فريقين، أتباع الإله شيفا، والإله فيشنو، وانبثقت عنها "اليانية"، وكل طائفة منهم لها أيام معينة تمارس فيها الصوم، إذ يصوم أتباع الإله شيفا - الإله الأعظم كما يطلق عليه الهندوس - يوم الاثنين، بالامتناع عن الطعام من غروب الشمس وحتى شروق اليوم التالى، ويتناولون السوائل فقط، بينما يصوم أتباع الإله فيشنو يوم الخميس، وهناك أيضًا صيام يوم الثلاثاء، وصيام "Karwa Chauth" الذي تصومه المرأة المتزوجة لإطالة عمر زوجها، ويكون الصيام بالامتناع عن تناول كل الأطعمة إلا الفاكهة والحليب، وتفطر عندما ترى القمر من خلال غربال.
أما أتباع اليانية فيصومون عن الطعام والشراب من الليل وحتى غروب شمس اليوم التالى، وأحيانًا يصومون عن أكل العدس، ولا يضعون البهارات في الطعام، باستثناء الملح والفلفل، ويقللون عدد الوجبات في اليوم.

الرائيلية
أسسها صحفى بريطانى يدعى "كلود فريوليون "، ولد عام 1946، وهى عقيدة لا تشجع على الصوم، ولا تأمر به من منظور دينى، ولا تأمر بالصوم إلا يوما واحدًا لصحة الجهاز الهضمى فقط، فهى لا ترى أي فائدة تعود على الإنسان من جراء الجوع والعطش.

البهائية:
ترى البهائية أن "غاية الصيام أساسا غاية روحانية في المقام الأول، وعلى الإنسان أن يكف عن الشهوات الجسدية، ويجدد القوة الروحية لديه بكثرة الدعاء والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، عن طريق تطبيق أوامره وأحكامه، وترى هذه العقيدة أن "الدين سماء الصوم شمسها والصلاة قمرها".
يبدأ صيام البهائيين من طلوع الشمس إلى مغربها، ويكون بالكف عن الطعام والشراب، ويبدأ من 2 مارس الذي يوافق عيد النيروز، إلى 21 مارس، بداية السنة البهائية، ويعرف بشهر "العلاء" وأخر شهور السنة البهائية.
وتعتبر البهائية، الصيام فترة لتجديد القوة الروحانية مع الله، وأيامًا للتعبد والتأمل، ويكلف البهائى بأداء فريضة الصيام عند سن 15 سنة ويسقط عنه التكليف عند 70 عامًا.
وتعفى البهائية من الصيام، من طال سفره لأكثر من 9 ساعات، أو توقف سفر المترجل لأكثر من ساعتين، أو توقف السفر بمكان لمدة 19 يومًا يعفى من الأيام الثلاثة الأولى، وكذلك العائد من السفر يبدأ صومه من اليوم التالى لوصوله، كما تعفى المرأة الحامل، والمرضعة، والمريض، والحائض، لكن عليها الوضوء وقراءة إحدى الآيات، كما تعفى المشتغلين بالأعمال الشاقة.

» مبطلات الصيام
» فوائد الصيام
» اطلاق اول مطعم معلق عائم بين السماء والأرض في السعوديه
» الإخلاص سر الصيام
» أخلاق الصيام