الباب الرابعالعمل بالقرآن 26- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من قرأ القرآن وعمل بما فيه أُلبس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم . فما ظنكم بالذي عمل بهذا " .
رواه أبو داؤد
في هذا الحديث تبيان لمكانة وثواب قارئ القرآن الذي يعمل به حتى أن ثوابه لا يقتصر عليه وحده بل يعم إلى والديه
( إن كانا مؤمنين . أما إن لم يكونا مؤمنين فلا يغني عنهما شيئا ) .
لماذا يلبس والداه التاج يوم القيامة وهما لم يقرآ القرآن ولم يفعلا ما فعل ولدهما ؟ الجواب على ذلك أنهما تسببا في صلاح ولدهما أما عن طريق تعليمهما إياه وترتيبهما له وإما عن طريق دعائهما له أو لأنهما أنشآه نشأة صالحة عن طريق إطعامه الطعام الحلال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم يُنتَفَعُ به أو ولد صالح يدعو له " (1) . فالمتوفى هنا تسبب في هذه الأمور الثلاثة فثوابها يلحقه في حياته وبعد وفاته . وهنا الولد الصالح الذي قرأ القرآن وعمل به هذا هو ثواب والديه فهما قد أرشداه على الخير والدال على الخير كفاعله ( إلا أن الله يضاعف الثواب لمن يشاء وليس معنى ذلك أن الله يضاعف لفاعل الخير مثل مضاعفته للدال عليه فإن المضاعفة لفاعل الخير إن أُخلصت النية لله ربما كانت أعظم من الدال عليه ) .
27- عن النواس بن سمعان
(2) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهلَه الذين كانوا يعملون به في الدنيا تَقدُمُهُ سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما " .
رواه مسلم
هذا الحديث يفسر الحديثين الذين سبقا تحت رقم 7 و 8 . فأهل القرآن أهل الله وخاصته ويأتي هذا القرآن شفيعا لصاحبه الذي كان يعمل به في الدنيا ومقدمة القرآن البقرة وآل عمران فهما يتقدمان في الشفاعة والذود عن قارئهما والعامل بهما ومن عمل بما في البقرة وآل عمران من أحكام فقد عمل بما في القرآن كله تقريبا لكثرة ما تحويان من أحكام .
قال أبو سعيد الخراز
(3) رضي الله عنه : أول الفهم لكتاب الله عز وجل العمل به لأن فيه العلم والفهم والاستنباط وأول الفهم إلقاء السمع والمشاهدة لقول الله عز وجل :
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } (4) كما قال :
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } (5) والقرآن كله حسن ومعنى اتباع الأحسن مايكشف للقلوب من العجائب عند الاستماع وإلقاء السمع من طريق الفهم والاستنباط وأول إلقاء السمع لاستماع القرآن هو أن تسمعه كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأه عليك ثم ترقى عن ذلك فكأنك تسمعه من جبريل عليه السلام وقراءته على النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى
{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } (6) ثم ترقى عن ذلك فكأنك تسمعه من الحق عز وجل .
وأخرج الدرامي عن علي رضي الله عنه أنه قال : يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون مع الخلق يباهي بعضهم بعضا حتى أن الرجل ليغضب على جلسيه أن يجلس إلى غيره ويدعه . أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى .
28- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " .
متفق عليه
الحسد الممقوت هو تمني زوال نعمة الغير والحسد الممدوح هنا هو تمني الحصول على مماثلة المحسود في العلم أو في المال .
القيام بالقرآن آناء الليل بتلاوته وتعلمه والتجهد به ويشبه أن يكون ذلك سرا لخفاء ذلك عن الناس . أما آناء انهار فهو العمل به علنا أمام الناس لأمر الله تعالى بالعمل ولكي يكون قدرة لغيره فيصيبه ثواب من اقتدى به .
تسلسل الحديث يبتدئ بإيضاح فضل من يؤتى القرآن ويعمل به ثم فضل من يؤتى المال ويشير ذلك إلى فضل العلم على الصدقة . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل
(7) : يا كميل : العلم خير من المال . العلم يحرسك وأنت تحرس المال . العلم حاكم والمال محكوم عليه . والمال تنقصه الصدقة والعلم يزكو بالإنفاق ( الإشارة إلى نقصان المال بالصدقة هو النقصان الظاهري الذي يشهده الناس . أما عند الله فهو يربو ويزداد ) .
وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث يحديث يرويه أبي كبشة الأنماري
(8) رضي الله عنه حيث يقول : مثل هذه الأمة مثل أربعة :
رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فيقول رب لو أن لي مالا مثل مال فلان لكنت أعمل فيه بمثله فهما في الأجر سواء ( وهذا منه حب لأن يكون له مثل ما له فيعمل ما يعمل من غير حب زوال النعمة عنه ) ، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو ينفقه في معاصي الله عز وجل ، ورجل لم يؤته علما ولم يؤته مالا فيقول لو أن لي مثل مال فلان لكنت أنفقته مثل ما أنفقه فيه من المعاصي فهما في الوزر سواء
(9) . وهكذا ذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة تمنيه للمعصية لا من جهة أن يتمنى أن يكون له من النعمة مثل ما له . فإذن لا حرج على من يغبط غيره في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها طالما لم يحب زوالها عنه ولم يكره دوامها له . نعم إن كانت تلك النعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة فهذه المنافسة واجبة وهو أن يحب أن يكون مثله لأنه إذا لم يكن يحب ذلك فيكون راضيا بالمعصية وذلك حرام . وإذا كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في المكارم والصدقات فالمنافسة فيها مندوب إليها وإذا كانت نعمة يتنعم بها على وجه مباح فالمنافسة فيها مباحة
(10) .
29- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه . ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عَظَّم ما صَغَّر الله وصغر ما عظم الله . وليس ينبغي لحامل القرآن أن يَسْفِهَ فيمن يَسْفِهَ أو يغضب فيمن يغضب أو يَحْتَدَّ فيمن يَحْتَدَّ ولكن يعفو ويصفح لفضل القرآن " .
رواه الطبري
لقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيا بنص معين هو القرآن الكريم والسنة بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمن أوتي القرآن الكريم فقد حصل على ما أوحى الله تعالى إلى رسوله بنصه لكنه يفرق عن رسول الله بأنه لا يوحى إليه وهكذا فإن العلماء ورثة الأنبياء لا يرثون الدرهم والدينار ولكن يرثون العلم والعمل به ونشره بين الناس .
إن من تعظيم المرء لله تعالى تعظيمه لكتاب الله . ومن أوتي خيرا كثيرا فعليه أن يشكر الله تعالى على تلك النعمة العظيمة وأن يشعر بكبر تلك المنة والفضل الذي آتاه الله تعالى إياه .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بِلَيلِه إذا الناس ينامون وبنهاره إذا الناس يفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون وينبغي أن يكون مستكينا لينا ولا ينبغي أن يكون جافيا ولا حماريا ولا صياحا ولا صاخابا ولا عنيدا .
قال بعض الصالحين : علمت أن أهل القرآن يسألون كما يسأل الأنبياء ( أي يوم القيامة ) وفي الحديث الشريف نهي لأصحاب القرآن عن السفه والغضب والحدة وأمر بالحلم والصفح وجملة الأمر أمر بحسن الخلق ومكارم الأخلاق وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها " كان خلقه القرآن "
(11) . فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن فالقرآن بيننا وعلى حملة القرآن التخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهي أخلاق القرآن .
30- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من قرأ القرآن واستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار " .
رواه الترمذي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تبيانا للحلال والحرام : " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مُشتبِهات لا يعلمهن كثير من الناس . فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه . ألا إن لكل ملك حِمى ألا وإن حِمى الله محارمه "
(12) . وهكذا فالحلال في القرآن بين والحرام كذلك بين فيه . أما الأمور المشتبهات فتعامل كما ورد في الحديث الأخير بالاجتناب خوفا من الوقوع في الحرام . وهكذا من فعل ذلك أدخله الله به الجنة وشفعه في أهل بيته .
الشفاعة ثابتة في القرآن والسنة وهذا الذي قد قرأ القرآن وعمل بما فيه فإنه يشفع لغيره بسبب فضله ومكانته عند الله تعالى وأولى من يشفع فيهم هم والداه لاستحقاقهم ذلك نتيجة تسببهما ذلك الفعل وإن لم يكونا من أهل القرآن وهذه الشفاعة لا تتم إلا بإذن الله تعالى لمن يشاء فيمن يشاء ولا شفاعة لمن لا يؤمن بالله ورسوله . وكما أن شفاعة الولد لوالديه حق فإن شفاعة الوالد لولده هي أيضا ثابتة في كتاب الله تعالى . فكما ذكر الله تعالى الدعاء للوالدين :
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } (13) ، ذكر دعاء الوالد لذريته :
{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ } (14) وكذلك دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام :
{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (15) ، هذا الدعاء في الدنيا وكذلك الشفاعة في الآخرى حيث يكونون أحوج إليها حينئذ . فالشفاعة حق للأنبياء والمرسلين وللقرآن والصيام والأعمال الصالحة ولعباد الله الصالحين وأوليائه المتقين .
وفي هذا الحديث زيادة على شفاعة الرجل لوالديه إلى أهل بيته ممن وجبت له النار . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وجزاء قراءته للقرآن واستظهاره له وعمله به في الحياة الدنيا والله عنده حسن الثواب . وكما يشفع الصالحون للوالدين والأقربين كذلك يشقعون بإذن الله لمن علمهم أو علموه ولمن له فضل عليهم ولمن أحبهم وأحبوه في الله تعالى .
31- عن أبي شريح الخزاعي
(16) قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا " .
أخرجه ابن أبي شيبة
قال الله تعالى :
{ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } (17) فما أنزل الله القرآن إلا هداية للبشر وهو كلام الله القديم المنزل الذي قاله ولم يزل يقوله فطرفه بيده . أما طرفه الآخر فهو المصحف الذي بين أيدينا فعلينا التمسك به فهو الحبل المتين الذي بيننا وبين ربنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد صانه الله من التحريف والتبديل . قال الله تعالى :
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (18) فإذا ما اشتد الأمر واختلف الناس واختلطت المسالك ولم يعرفوا ماذا يفعلون كانت الفرقة الناجية تلك التي تتمسك بكتاب الله تعالى ومن بعده سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث 35 .
32- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن القرآن نزل على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال " .
رواه البيهقي
الحلال بين في كتاب الله تعالى قال تعالى :
{ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } (19) وهو بين واضح في آيات كثيرة مثل قوله تعالى :
{ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } (20) ومثل قوله تعالى
{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } (21) .والحرام بين فالله تعالى قد حرم الخبائث . قال تعالى :
{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } (22) وفي آية أخرى :
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ } (23) . والمحكم هو الثابت الحكم والذي يعطي قاعدة قانونية محكمة مثل قوله تعالى :
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } (24) ومثل قوله تعالى :
{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (25) فذلك مما يجب اتباعه والعمل به كما ورد في الحديث .
والمتشابه هو ما كان غير واضح المعنى لبعض الناس ومن أمثاله الحروف الموجودة في أوائل بعض السور مثل الم ، ص ، المص ومثله أيضا الآيات الدقيقة المعنى مثل قوله تعالى :
{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } (26) فالاستواء معلوم لكن في حق الله تعالى لا نعلم كيف يكون ذلك فلا يشبهه استواء أحد من خلقه فليس كمثله شيء . وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتفكر في خلق الله ولا نتفكر في ذات الله تعالى . ورغم أن الكثير من الآيات المتشابهات لبعض الناس محكمات واضحات للراسخين في العلم وبعض الآيات المتشابهات غير الواضحات في زمن ما يتضح معناها وتكون محكمة في زمن آخر فإن على المؤمن أن يؤمن بمثل هذه الآيات ولا ينقب عن دقائقها بغير علم .
والأمثال في القرآن الكريم للاعتبار والعظة منها أمثال عن الأمم السالفة ومنها تشبيهات بأمور محسوسة . قال الله تعالى :
{ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ } (27) فالله يضاعف الحسنات . الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كيف يشاء ولمن يشاء مثل ما يخرج من الحبة الواحدة سبعمائة حبة والله على كل شيء قدير وعلى المؤمن الاعتبار بتلك الأمثال وأخذ العظة .
33- سئل عبد الله بن أبي أوفى
(28) : أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال لا .
قلت كيف كتب على الناس الوصية أمروا بها ولم يوصي ؟ قال أوصى بكتاب الله عز وجل .
رواه الجماعة إلا أبا داؤد
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوصي أمته من بعده بأفضل من اتباع كتاب الله فهو الكتاب الذي يحوي وصية الله ورسوله لأمته بعده قال الله تعالى :
{ أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (29) .
أما وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخرى فهي أحاديثه وسنته التي نقلها عنه الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والمقصود من سؤال الصحابي عن كتابة الوصية أن الله تعالى قال :
{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } (30) قالله تعالى أمر الناس بالوصية كما أمر صلى الله عليه وسلم من كان عليه دين أو أمر يستحق الوصية أن يكتب وصية ولا يؤجلها فالموت أقرب لابن آدم من شراك نعله .
34- عن جابر بن عبد الله
(31) رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال :
" أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن أفضل الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " ثم يرفع صوته وتمحر وجنتاه ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كأنه منذر جيش . قال ثم يقول : " أتتكم الساعة . بعثت أنا والساعة هكذا – وأشار بإصبعيه السبابة والسطى – صبحتكم الساعة ومستكم . من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي " .
رواه الإمام أحمد
من أسس الإيمان الرئيسة : الإيمان بكتاب الله وبأنه أصدق الحديث فمن شك في صدق شيء منه أو اتخذ كتابا آخر وفضله على كتاب الله عز وجل أو اعتقد بأنه أصدق من كتاب الله فهو كافر خارج عن ملة المسلمين . ويليه في وجوب الاتباع : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والبدعة كل أمر محدث يخالف القرآن الكريم أو السنة النبوية أو أحد الأسس الواردة فيهما . ويوضح هذا التعريف حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا مال ليس منه فهو رد "
(32) فالأحداث في الدين ما ليس منه هو البدعة . أما إحداث أمر من الدين فهو ليس بدعة فمثلا إن دحض شبهات أعداء الإسلام بحجج جديدة هو من الدين وغير مشمول بحديث البدعة فهو أمر حسن ، وهكذا يمكن معرفة كل أمر مستحدث هل هو سنة حسنة أم بدعة سيئة . ولنأخذ مثالين على ذلك : التدخين بدعة لأنها ليست من الدين وليس هناك في الدين ما يؤيد استنشاق المرء للدخان فليس هو بطعام أو شراب مما أحل الله .
ومثال السنة الحسنة استخدام مكبرات الصوت في الأذان مثلا فهو أمر مستحدث لكنه حسن لأن من ما يدعو إليه الدين إبلاغ صوت المؤذن لأبعد مسافة ممكنة . واستخدام آلة جديدة تساعد بذلك أمر حسن . وقس على ذلك كل أمر مستحدث للتفريق بين البدعة والسنة الحسنة .
35- -عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" ألا إنها ستكون فتنة " فقلت ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخير ما بعدكم وحُكم ما بينكم هو الفَصْلُ ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه . هو الذي لم تنتهي الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد . من قال به صدق ومن عمل به أُجر ومن حكم به عَدَل ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم " .
رواه الترمذي
هذا الحديث الشامل لصفات كتاب الله تعالى ، حديث عظيم الشأن . ينبغي التمعن فيه فهو جواب شاف للمخرج من الفتن في أي وقت حدثت وجوابها هو العودة إلى كتاب الله تعالى فإن فيه :
v نبأ ما قبلنا من أخبار وقصص لأمم سلفت . كذبت فمحقت أو صدقت فأثيبت .
v وخبر ما بعدنا من أخبار إلى يوم القيامة وقيام الساعة منها نزول عيسى ابن مريم عليه السلام وغيره مما يفقهه من يفقهه ويجهله من يجهله .
v وحكم ما بيننا من أحكام القصاص والأحوال الشخصية والمعاملات بين الأفراد والجماعات في أحوال الرخاء والشدة والسلم والحرب .
v هو الفصل . أحكامه قاطعه وقواعده الأصولية ثابتة وواضحة كحد السيف .
v ليس بالهزل فكله جد ليس فيه آية هزل وهو قول فصل . إما حلال وإما حرام أو محكم أو متشابه أو قصص وأمثال .
v من تركه من جبار قصمه الله تعالى فالقرآن يأمر بالعدل والإحسان والعدل هو أساس الملك فمن ترك العدل من أولي الأمر عاقبه الله وأخذه أخذ عزيز مقتدر .
v من ابتغى الهدى في غيره أضله الله . فليس هناك هذى في شريعة يضعها غير الله ومن أراد العزة ففيه العزة ومن ضل عن هداه إلى ما سواه أخزاه الله في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد .
v هو حبل الله المتين طرفه بيد الله وطرفه الثاني بأيدينا فمن استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .
v وهو الذكر الحكيم . فمن أراد ذكر الله فلا أفضل من تلاوة كتابه فكله حكمة .
v هو الصراط المستقيم . من سار على نهجه فلن يكون من المغضوب عليهم ولا من الضالين .
v لا تزيغ به الأهواء فمن ابتغى الهوى في تفسيره وأحكامه فلن يلبث أن تنكشف حبائله لأن الله وعد بحفظه فقال :
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (33) .
v لا تلتبس به الألسنة فهو قرآن عربي مبين اللفظ متواتر النص لن يزاد فيه حرف أو ينقص منه .
v لا يشبع منه العلماء فكل علوم الشريعة من القرآن وكل ما نهلوا فإنما من بحره ومن أراد المزيد فلن يروي غليله .
v لا يخلق على كثرة الرد فكلما تلي القرآن مرة بعد أخرى وجد القارئ له حلاوة وكأنه يتلوه من جديد وظهرت له معاني جديدة وفهمه المؤمن فهما جديدا ولن يشعر به أحد أنه قد أصبح عتيقا إلا من قد أعمى الله بصيرته فضل عن سواء السبيل ، فقد تحدى الله تعالى أن يؤتى ولو بآية من مثله وهذا التحدي قائم إلى يوم القيامة ولن يستطيع أن يأتي بشر بآية من مثله .
v لا تنقضي عجائبه ، فما ظهر من عجائبه بعد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر بكثير مما ظهر في حياته وما سيظهر في المستقبل كثير وكثير .
v لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا :
{ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ } (34) فهو كتاب الله لهداية الجن والإنس وما كان عجبا للجن فهو أعجب منه للإنس وما قد هدى الجن إلى الرشد يهدي الإنس إلى ما هو أرشد .
v من قال به صدق فكله حق وليس فيه غير الصدق .
v ومن عمل به أجر فالعمل وفقه يضاغفه الله : الحسنة بعشر أمثالها إلى ما شاء الله .
v من حكم به عدل سواء كان الحكم للمرء مع نفسه أو مع أسرته أو مع مجتمعه أو حكم بين الناس فليس فيه غير العدل .
v من دعا إليه هذي إلى صراط مستقيم . فهو دليل الدعاة إلى الحق وهو الصراط المستقيم .
أوَليس في هذا الحديث أشمل وأدق وأروع وصف للقرآن الكريم . فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ، قال تعالى :
{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } (35) .
36- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال :
" ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس ؟ إن خير الناس رجل عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت وإن من شر الناس رجلا فاجرا يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه " .
رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه
خير الناس المجاهدون في سبيل الله الذين يستمرون في ذلك حتى يأتيهم الموت وشر الناس الفاجر الذي يقرأ القرآن ولا يعمل بشيء منه . والفاجر هو المرتكب للمعاصي سواء كان مسلما أم غير مسلم . ويشمل ذلك في زمننا هذا المستشرقين وتلامذتهم السائرين على نهجهم من المسلمين وعلماء السوء كما سيأتي في الأحاديث الثلاثة التالية .
قال بعض العلماء : إن العبد ليتلو القرآن فيلعن نفسه وهو لا يعلم .
يقول :
{ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } (36) وهو ظالم لنفسه
{ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } (37) وهو منهم .
قال أبو سليمان الدارني : الزبانية أسرع إلى حملة القرآن الذين يعصون الله عز وجل منهم إلى عبدة الأوثان .
وقال بعض السلف : إن العبد ليفتتح سورة فتصلي عليه الملائكة حتى يفرغ منها وإن العبد ليفتتح السورة فتلعنه حتى يفرغ منها قيل وكيف ذلك ؟ فقال : إذا أحل حلالها وحرم حرامها صلت عليه وإلا لعنته .
وروى ابن ماجه من حديث جندب قال : كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتينا العلم قبل القرآن وسيأتي قوم يؤتون القرآن قبل الإيمان يقيمون حروفه ويضيعون حدوده وحقوقه يقولون : قرأنا فمن أقرأ منا وعلمنا فمن أعلم منا فذلك حظهم وفي لفظ أولئلك شرار هذه الأمة .
وقال قتادة : لم يجالس أحد هذا القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان . وقال الله تعالى :
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا } (38) .
37- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم . يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئا وينظر في القدح فلا يرى شيئا وينظر في الريش فلا يرى شيئا ويتمارى من الفُوَقِ " .
رواه الأربعة
المروق من الدين : أخذ ما يوافق هواه وترك ما سواه .
والمعنى اللغوي للمروق هو سرعة الخروج أي يخرجون من الدين بسرعة كسرعة السهم من الرمية .
وروى مسلم وأبو داؤد والنسائي هذا الحديث بلفظ " يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميةلا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأين لقيتموهم فاقتلوهم فأن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة " .
وينطبق هذا الحديث على من أوتي علما وسعة اطلاع في علوم الشريعة لكنه لا إيمان له كالمستشرقين وتلامذتهم يتكلمون كلاما معسولا عليه صبغة الدقة والعلمية والرغبة في الوصول إلى الحقيقة لكنه يخفي في جنباته الحقد على الإسلام ومحاولة الطعن فيه وهدمه بأساليب خبيثة .
وينطبق أيضا على المبتدعين من أهل الأهواء الذين اقتنعوا بأفكار فاسدة وهم يريدون أن يثبتوها بالأخذ من الدين ما يوافق آراءهم وترك سائره ويسلكون في سبيل ذلك أسلوب جمع المعلومات المؤيدة لأهوائهم وبدعهم وبذا يظهرون أمام البسطاء والسذج كعلماء مدققين مقتعين في كلامهم ومصيبين في استنتاجاتهم .
قال معاذ بن جبل
(39) رضي الله عنه : إن ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والحر والعبد فيوشك قائل أن يقول ما للناس لا يتبعونني وقد قرأت القرآن ! ما هم بمتبعيَّ حتى أبتدع لهم غيره ! فإياكم وما يبتدع فإن من ابتدع ضلالة واحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق . فقيل له ما يدريني رحمك الله أن الحكيم يقول كلمة الضلالة وأن المنافق يقول كلمة الحق قال بلى . اجتنب من كلام الحكيم المستهترات التي يقال ما هذه ؟ ولا يثنينك ذلك عنه وإنه لعله برجع ويتبع الحق إذا سمعه فإن على الحق نورا .
38- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها " .
رواه أحمد والبيهقي وابن عدي والطبراني
قال الله تعالى :
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } (40) .
النفاق هو إخفاء الكفر والجحود وإظهار الإيمان . وقد ظهر النفاق في المدينة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى الآيات البينات تبيانا لصفاتهم وشدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في وعيدهم مظهرا خصالهم . قال تعالى :
{ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } (41) فهم يظهرون حسن الكلام
{ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } (42) ويبطنون ممالأة الكفار
{ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } (43) وصفتهم في الحديث الشريف :
" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " (44) . فالمنافقون ليسوا جهلة أميين بل هم متعلمون لكن لا إيمان لهم . فأكثر المنافقون في هذه الأمة هم ممن يقرأ القرآن ويستهزئ بأحكامه لفظا أو فعلا .
إن المعاصي التي يرتكبها المسلم واتباع الهوى كل ذلك قد يقوده إلى النفاق فهي تحجبه عن رؤية الحق وتمييزه عن الباطل . فهو رعم معرفته بالآيات البينات إلا أنه لا يجد الرغبة في اتباعها . قال أحد العلماء : الغريب هو القرآن في جوف الفاجر .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أنزل القرآن عليهم ليعملوا به فاتخذوا دراسته عملا . إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته لا يسقط منه حرفا وقد أسقط العمل به .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إذا رأيتم العالم محبا للدنيا فاتهموه على دينكم فإن كل محب يخوض فيما أحب . وقال الحسن البصري
(45) رضي الله عنه عقوبة العلماء موت القلوب وموت طلب الدنيا بعمل الآخرة .
وقال الشعبي
(46) يطلع يوم القيامة قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم فيقولون إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله .
39- قال صلى الله عليه وسلم :
" من قرأ القرآن عند ظالم ليرفع منه لعن بكل حرف عشر لعنات " .
رواه البخاري في التأريخ الكبير بسند صالح
قال سفيان الثوري
(47) : في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك ، وقال حذيفة بن اليمان
(48) رضي الله عنه : إياكم ومواقف الفتن قيل وما هي قال أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول فيه ما ليس فيه .
وقال مكحول الدمشقي
(49) من تعلم القرآن وتفقه في الدين ثم صحب السلطان تملقا إليه وطمعا فيما لديه خاض في بحر من نار جهنم بعدد خطاه وقال : وعلماء زماننا شر من علماء بني إسرائيل يخبرون السلطان بالرخص وبما يوافق هواه ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاتهم لاستثقلهم وكره دخولهم عليه وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم .
وكما أن تلاوة القرآن تضاعف بكل حرف عشر حسنات كما ورد في حديث سابق ( الحديث 20 ) فكذلك من يستخدم القرآن عن الظلمة ليرفع من شأنهم فعليه بكل حرف منه عشر لعنات وهكذا كل من استهزأ بحرمات الله واستخدم الدين ابتغاء عرض من أعراض الدنيا . ومن يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ } (50) فالقارئ الذي يكتم قول الحق ابتغاء ثمن قليل ومتاع زهيد من متاع الدنيا ، إنه إنما يأكل ما يأكل نارا وسيصلى سعيرا .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أخشى عليكم زلة عالم وجدال منافق بالقرآن . والقرآن حق وعلى القرآن منار كمنار الطريق ومن لم يكن غنيا عن الدنيا فلا دنيا له .
(1) عن أبي هريرة رواه البخاري في الأدب ومسلم وأبو داؤد والترمذي والنسائي .
(2) هو النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو العامري الكلابي هو وأبوه صحابيان .
(3) أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز من أهل بغداد صحب ذا النون المصري والسري السقطي وبشر الحافي وغيرهم من المشايخ ومن المتكلمين في علم الإخلاص . توفي سنة 279 هـ ودفن في الموصل .
(4) سورة ق الآية 37 .
(5) سورة الزمر الآية 18 .
(6) سورة الشعراء الآيات 92-94 .
(7) كميل بن زياد بن نهيل من أصحاب الإمام علي رضي الله عنه من التابعين مات سنة 82 هـ .
(8) قال ابن حبان أبو كبشة هو سعيد بن عمرو وقيل عمرو بن سعيد الأنماري المذحجي .
(9) رواه ابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح .
(10) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي – الجزء الثالث صفحة 180 .
(11) رواه مسلم وأحمد وأبو داؤد .
(12) عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري في الأدب ومسلم وأبو داؤد والترمذي والنسائي .
(13) سورة إبراهيم الآية 41 .
(14) سورة إبراهيم الآية 40 .
(15) سورة البقرة الآية 129 .
(16) هو خويلد بن عمر الخزاعي ثم الكعبي أسلم قبل الفتح وكان معه لواء خزاعة يوم الفتح توفي بالمدينة عام 68 هـ .
(17) سورة طه الآية 113 .
(18) سورة الحجر الآية 9 .
(19) سورة الأعراف الآية 157 .
(20) سورة النساء الآية 3 .
(21) سورة البقرة الآية 187 .
(22) سورة الحج الآية 30 .
(23) سورة المائدة الآية 3 .
(24) سورة النساء الآية 11 .
(25) سورة المائدة الآية 11 .
(26) سورة طه الآية 5 .
(27) سورة البقرة الآية 261 .
(28) هو علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي كان آخر من مات من الصحابة في الكوفة سنة 87 هـ وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة حنين وكان من أصحاب الشجرة .
(29) سورة العنكبوت الآية 51 .
(30) سورة البقرة الآية 180 .
(31) هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي شهد 19 غزوة من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوة بدر وأحد وقد قتل أبوه فيها . عاش 94 سنة وتوفي سنة 74 هـ .
(32) رواه البخاري ومسلم وأبو داؤد وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها .
(33) سورة الحجر الآية 9 .
(34) سورة الجن الآيتان 1 و 2 .
(35) سورة النجم الآيتان 3 و 4 .
(36) سورة هود الآية 18 .
(37) سورة آل عمران الآية 61 .
(38) سورة الإسراء الآية 82 .
(39) معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي الإمام المقدم في علم الحلال والحرام شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أحاديث كثيرة عنه وأمّره رسول الله على اليمن وقد دعا له رسول الله ووصفه بأنه أعلمهم ( الصحابة ) بالحلال والحرام توفي بالطاعون في الشام عام 17 هـ وعمره 34 سنة
(40) سورة النساء الآية 145 .
(41) سورة النساء الآية 142 .
(42) سورة المنافقون الآية 4 .
(43) سورة البقرة الآية 14 .
(44) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك .
(45) الحسن بن أبي الحسن البصري ، اسم أبيه يسار وهو فقيه فاضل مشهور وهو من أواسط التابعين توفي سنة 110 هـ وقد قارب التسعين .
(46) هو عامر بن شراحيل أبو عمرو الشعبي ثقة مشهورة وفقيه فاضل من صغار التابعين . توفي بعد عام 100 هـ وله من العمر 80 سنة .
(47) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي يكنى بأبي عبد الله وهو ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من كبار التابعين توفي سنة 161 وعمره 64 ينة .
(48) هو حذيفة بن اليمان واسم أبيه حسل . أسلم هو وأبوه وأرادا شهود معركة بدر فصدهما المشركون وشهدا أحدا . توفي بالمدائن عام 36 هـ وقد روى أحاديث كثيرة وكان مؤتمن سر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(49) مكحول أبو عبد الله الدمشقي الشامي ثقة فقيه مشهور وهو من صغار التابعين مات سنة يضعة عشر ومائة .
(50) سورة البقرة الآية 174 .