لماذا تعتبر الخارقية علما زائفاً؟
بقلم: اوستن كلاين
ترجمة: مصطفى الصوفي
مراجعة: حيان الخياط
في المجال العلمي نجد ان النظريات العلمية غير ثابتة بشكل مطلق، كما انها تحتوي على متغيرات دائما وذلك بسبب المعلومات والاكتشافات الجديدة إما عن طريق التجارب العلمية حول مسائل في النظرية نفسها أو تجارب في المجالات الأخرى.
يعود هذا الامر الى طريقة عمل العلم نفسه، حيث ان النظريات العلمية تقوم بعد اكتشاف كم من البيانات (الادلة والإثباتات) بدل ان تكون النظرية متكونة قبل ايجاد تلك الأدلة (البيانات), لذلك فان اي ظهور لأدلة جديدة يسبب تغييراً في النظرية.
وهناك العديد من الأمثلة على تغير النظريات العلمية بمرور الزمن. وابرز هذه الأمثلة هي نظرية التطور.
على على الرغم من أن النقاد والخلقيين غالبا ما يشيرون لها تحت تسمية “الداروينية”، فالحقيقة هي أن نظرية التطور قد تغيرت منذ وضع دارون أول أفكاره حول هذا الموضوع في كتبه ومؤلفاته .صحيح ان الكثير مما طرحه دارون لا يزال موجودا الا ان نظريته تغيرت بمرور الزمن لتصل الى ما وصلت اليه اليوم. وعليه فأن التغييرات كثيرة بما يكفي للتخلص من هذه التسمية الغير لائقة لوصف نظرية التطور, غير انها لا تزال تستخدم لأغراض خطابية من قبل الخلقيين، فليس المهم عندهم هو نقل معلومات مفيدة حول تطور, وإنما الطعن به عن طريق ادخال الاخرين في مغالطات حول فهم النظرية .
في حقل اخر, نجد ان الفيزياء قد شهدت ايضا قدرا هائلا من التغيير في النظريات وخير مثال هنا هي كتابات ستيفن هوكينغ عن الثقوب السوداء. لأكثر من 30 عاما دعا هوكينغ إلى فكرة أنه بمجرد أن تدخل اي بيانات الى مجال ثقب أسود، فإنه لن تتمكن من الفرار أبدا. لكن هوكينغ يقول الان: “ان الثقب الأسود يبدو وكأنه يتكون لكنه في الحقيقة يتفتح ليخرج البيانات الموجودة في داخله، وبذلك نصبح متأكدين من ماضيه وبالتالي اكثر قدرة على استقراء المستقبل”.
لا احد ينكر ايضا أن هناك مجالات في تخصصات اخرى بعيدة، يمكن أن يكون لها تأثير على النظريات معينة .فإذا اكتشف الكيميائيين شيئا دراماتيكيا وجديدا حول طبيعة الحمض النووي، فإن ذلك له حتما تأثير على نظرة علماء البيولوجيا التطورية (الاحياء التطورية). وسيكون تصرفا غير علمي ابدا ان تم تجاهل اخر الاكتشافات او اي بيانات جديدة.
المجال العلمي يتكون من مختلف مجالات البحث، ولكن بسبب الخصائص الطبيعية سنجد دائما ان هناك تخصصات في مجالات محددة تعتمد على تبادل المعلومات بصورة مشتركة مع مجالات اخرى. وهذا بالتأكيد سيؤدي الى تأثير اي مجال بحثي على المجالات الاخرى .
هل تعتمد الباراسيكولوجي او الخارقية* على العملية الديناميكية المتغيرة كما في مختلف مجالات العلم؟ سيكون من الصعب على اصحاب هذا الادعاء أن يثبتوه.
قام الخارقيون بالدراسة “العلمية” للقوى نفسية لأكثر من قرن تقريباً، ومن حقنا ان نتساءل،
ما هي أنواع التغيرات التي تحققت في هذا المجال في نظرياتهم؟ما هي الاختلافات في تفسير الظواهر الخارقة اليوم، بالمقارنة مع مثل هذه التفاسير أوائل القرن العشرين؟للإجابة عن هذه الاسئلة يجب ان نبحث ايضا عن التأثير الواضح للخارقية العديدة حسب ما يدعيه مؤيدوها على العلوم الاخرى كعلم الاحياء والكيمياء والفيزياء وعلم النفس على مدى القرن المنصرم؟
اذا كانت الخارقية هي علم حقيقي، فلماذا عجزت عن التواجد وسط المحفل العلمي ولماذا لا يوجد اي تواصل بينها وبين العلوم الحقيقية في المجتمع العلمي بأي شكل من الاشكال؟
وعلى اعتبار ان الخارقية تقع ضمن اطار العلم، فمن المفترض أن يدرس طلاب هذا المجال في نفس المحيط والبيئة العلمية التي يدرس فيها الفيزيائيون والكيميائيون، وعلماء الأحياء …الخ. وفي حال حصول ذلك فهذا يعني ان هناك احتمالية كبيرة في وجود نقاط التقاء بينها وبين اي مجال علمي اخر ومن الممكن ان يؤثر احدها على الاخر. لكن هذا كله غير موجود على ارض الواقع!
ثم مرة أخرى، وعلى مدى قرن من الابحاث في هذا المجال فشلت جميعها في الالتقاء او التأثير على اي علم من العلوم الحقيقية.
ولم يقم اي باحث في هذا التخصص بالدراسة على أساس أي تجربة علمية رصينة في مختبرات علمية حقيقية في المجتمع العلمي .
بسبب اكتشافاتهم الغريبة ورفضهم لمبدأ التجربة العلمية فعلى الارجح أنهم لا يدرسون في نفس الكون الذي نعيش به!؟
وفي الختام نقول، ربما لا تحمل الخارقية اي اهتمام بخصوص المسعى الإنساني العام، الا وهو العلم والمعرفة الحقيقية بدون وهم ولا خرافات !* يتألف مصطلح الباراسيكولوجي «ما وراء علم النفس» او علم النفس الموازي من شقين أحدهما البارا (Para) ويعني قرب أو جانب أو ما وراء‚ أما الشق الثاني فهو سيكولوجي (Psychology) ويعني علم النفس‚ وفي الوطن العربي هناك من سماه الخارقية‚ ومن سماه علم القابليات الروحية‚ ومن سماه علم نفس الحاسة السادسة ولكنه ظل محتفظا باسمه لعدم الاتفاق على تسمية عربية موحدة له‚ وكان الفيلسوف الألماني ماكس ديسوار عام 1889م أول من استخدم هذا المصطلح ليشير من خلاله إلى الدراسة العلمية للإدراك فوق الحسي والتحريك النفسي «الروحي» والظواهر والقدرات الأخرى ذات الصلة‚ وتعددت التسميات حتى أصبح يطلق عليه في كثير من الأحيان «الساي»‚ وللباراسيكولوجي موضوع يدرسه وهو القدرات فوق الحسية «الخارقة» كالتخاطر والتنبؤ والجلاء البصري والاستشفاء وتحريك الأشياء والتنويم الإيحائي «المغناطيسي» وخبرة الخروج من الجسد‚‚ الخ‚ أما المنهج الذي يستخدمه هذا العلم فهو المنهج العلمي الحديث مع شيء من التطوير الذي تقتضيه طبيعة الظاهرة المدروسة وهذا هو الرد على من يريد أن يعرف «هل الباراسيكولوجي علم أم لا» فهو قديم في ظواهره وقدراته‚ جديد بمنهجه ووسائله وأساليبه‚ ويبدأ بالفهم والتفسير ويمر بالتنبؤ حتى يصل إلى الضبط والتحكم بالقدرات التي يدرسها.
المصدر:
http://atheism.about.com/od/parapsychology/a/experiments.htm