مشكلات فلسفية : 3 آداب و فلسفة
المقدمة : إن ضرورة التكيف مع العالم الخارجي جعلت الإنسان يكتسب أفعال كثيرة أهمها العادة ، و إذا كنا لا نتعرف على عادات الشخص إلا إذا لاحظناه يكرر نفس الفعل مرات عديدة فهل نستخلص من هذا أن تكوين العادات يتوقف على دور التكرار فقط ، أم هناك عوامل أخرى لها دور في تكوينـــــها ؟
أ- العادة وليدة التكرار ( النظرية الآلية)
يرى أنصار النظرية الآلية أن اكتساب العادة يعتمد على دور التكرار حيث قال "أرسطو"العادة وليدة التكرار" لأننا كلما كررنا نفس النشاط ازداد ثباتا ورسوخا في الخلايا الدماغيةو أصبح آليا و تلقائيا نقوم به بسهولة دون أي جهد أو تخطيط مسبق . وهو ما تؤكد عليه أيضا النزعة الارتباطية التي ترى أن اكتساب العادة ما هو إلا تكرار حركات وربط بعضها ببعض فالتعود على سياقة السيارة مثلا يشترط من المتعلم تكرار الحركات داخل السيارة مرات عديدة حتى تصبح آلية و منسجمة و مترابطة بعضها البعض .كذلك حفظ قصيدة شعرية يتم بتكرار قراءتها عدة مرات ، و إعادة نفس الكلمات بنفس النسق حتى تكتسب أعضاء النطق عادة حركية بحيث تصبح الكلمة الأولى إشارة تدعو الكلمة التي تأتي بعدها و البيت الأول يصبح هو أيضا إشارة للبيت الثاني عن طريق الارتباط الشرطي .
النقد/ لا يمكن إنكار دور التكرار في تكوين العادة لكن لو تأملنا الأمر جيدا نجد أن الحركات فيها نوع من التجديد فالذي يكتسب عادة لا يعيد الحركات ذاتها بل يعدلها وعليه فالتكرار وحده غير كاف .
ب- العادة ليست وليدة التكرار بل وليدة الوعي( النظرية العقلية)
يذهب أنصار النظرية العقلية إلى أن اكتساب العادة يتم بواسطة العقل والإرادة وخاصة الاهتمام الذي يوليه الشخص لمحاولاته لان الاهتمام والميل نحو شيء معين يسهل التعود عليه و يخلق فينا الإرادة القوية و الرغبة الملحة ودقة الانتباه ويجعلنا نكرس كل طاقاتنا من اجل التعلم ، فالفنان مثلا لو لم يكن له ميل و اهتمام بالفن ما تعلم العزف على الآلة الموسيقية ، و التلميذ ان لم يهتم بالمادة ما تعلم منها شيئ و في اكتساب العادة يجب أن يكون الإدراك حاضرا. حيث يرى " فون دير فيلت " أن الحركة الأخيرة في اكتساب العادة ليست مجرد إعادة للحركات السابقة حيث يقول: " الحركة الجديدة ليست مجرد تجميع لحركات قديمة " .بل فيها نوع من التجديد و إعادة التنظيم . فالطفل عندما يتعلم الكتابة على سبيل المثال يحاول أن لا يكرر الأخطاء السابقة و انما يعمل على تجنبها و ينتقل من السيئ إلى الحسن ثم الأحسن . هكذا الأمر بالنسبة للعادات الأخرى كالتعود على السياقة أو ركوب دراجة .
النقد/ لا يمكن إنكار دور العقل في تتبع الحركات كتثبيت المحاولات الناجحة وحذف المحاولات الفاشلة كما لا يمكن إنكار دور الإرادة و الاهتمام إلا أنها عوامل مرفقة للتكرار ، و ليست أولية ، تفقد أي دور لو لم يكن التكرار موجودا
ج- العادة وليدة التكرار و الوعي (تركيب)
-كتركيب بين الأطروحتين نرى ان اكتساب العادة يحصل في الواقع بالتكرار و بالوعي الذي يرافقه من أجل أن يراقبه ويعدله كلما اقتضت الضرورة . حيث يقول " بول غيوم" في كتابه " تكوين العادات " " إن علم النفس لا يجد صعوبة في استخلاص شرطين في تكوين العادات وهما : من جهة مرات تكرار الفعل ومن جهة أخرى الاهتمام الذي يوليه الشخص لفشله وإنجاحه "
الخاتمة ( حل المشكلة) رغم أن التكرار هو الخاصية المميزة للعادة ، إلا انه ليس عاملا كافيا لاكتسابها و تكوينها ، فيجب أن يدعم أيضا بعوامل نفسية ذات صلة كالوعي و الإرادة و الاهتمام *الأستاذ ج-فيصل*