من رحمة الله -جل علاه - بعباده أن فضل بعض الأيام على بعض، وبعض الأوقات على بعض، وبعض الأزمنة على بعض.. جعل لهم في أيام دهرهم نفحات ليتعرضوا لها ويستفيدوا منها قدر وسعهم وطاقتهم.. أوقاتاً يضاعف فيها الثواب ويجذل فيها العطاء.. قال صلى الله عليه وسلم: ((إن لربكم في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها)) متفق عليه..
وللعشر الأخيرة من رمضان خصائص ليست لغيرها من الأيام..
فمن خصائصها: الاجتهاد في العبادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العبادة فيها أكثر من غيرها.. فعن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها)) رواه مسلم.. وفي الصحيح أيضاً عنها قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره أي يعتزل نساءه - وأحيا ليله وأيقظ أهله ".. وعنها أيضاً قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر" رواه أحمد.. فهذه العشر كان يجتهد فيها - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما يجتهد في غيرها من الليالي والأيام من أنواع العبادة: من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها.. فلا ينبغي للمسلم العاقل أن يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله.. فما هي إلا ليال معدودة ربما يُدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى فتكون ساعده في الدنيا والآخرة.
ليلة القدر:
ومن خصائص هذه العشر أن فيها ليلة القدر.. التي قال الله - عز وجل - فيها: (ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها * بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر) سورة القدر.. وقال فيها: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم) سورة الدخان..
أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر، وغير ذلك من أوامر الله المحكمة العادلة.. قال - صلى الله عليه وسلم -: (( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه))، متفق عليه.. وقال: (( تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) متفق عليه.. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله.. ولا يُحرم خيرها إلا محروم))، رواه النسائي وابن ماجه.. وقال الإمام النخعي: " العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها".. وقد أخفها الله - سبحانه وتعالى - في علمه على العباد رحمة بهم.. ليجتهدوا في جميع ليالي العشر، وتكثر أعمالهم الصالحة فتزداد حسناتهم، وترتفع عند الله درجاتهم.
الاعتكاف:
والمقصود بالاعتكاف: انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في المسجد، ويجتهد في تحصيل الثواب والأجر وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والعبادة، ويتجنب ما لا يفيده من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم.. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام.. فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً" رواه البخاري.. وروى أيضاً: " اعتكف - صلى الله عليه وسلم - في العام الذي قبض فيه عشرين يوما.." وقال الإمام الزهري - رحمة الله عليه -: " عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله - عز وجل -" .. وفى الاعتكاف صفاء القلب والروح وكذا فيه حماية للمسلم من أثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب وتفسدُ اجتماعه على طاعة الله.. وأهم ما فيه القرب من الله - عز وجل -.
زكاة الفطر:
هي صدقة تجب بالفطر في رمضان على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته.. والحكمة منها تطهير الصائم من اللغو والرفث، والتوسعة على المساكين والفقراء، وإغناؤهم عن السؤال في هذا اليوم، ليشاركوا بقية الناس فرحتهم بالعيد.... قال - صلى الله عليه وسلم -: (( أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم)) رواه الدار قطني.. روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين" رواه أبو داود.. وقد قال جمهور الفقهاء بجواز تعجيل صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو بيومين.. قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.