لا ندري كيف أوحى إخفاق البرهنة المباشرة بفكرة البرهنة بالخلف ،و لا كيف وصل سريعا إخفاق البرهنة بالخلف بدوره و عن طريق انقلاب وجهة النظر إلى بناء الهندسات الأولى المسماة بالاأقليدية
و الفكرة التي ظهرت هكذا بمناسبة نظرية المتوازيات ، كان لا بد من أن تمتد امتدادا طبيعيا إلى جميع المصادرات. و عندها ترى انفصال مظهري الحقيقة الهندسية الدين كانا إلى هذا الحين ، تمختلطين في وحدة مذهلة. لقد كانت النظرية في الهندسة خبرا عن الأشياء و بناء من طرف الفكر ، أي كانت قانونا فيزيائيا و قطعة من نسق منطقي ، كانت حقيقة حدث و حقيقة عقل. و من هاته الأزواج المفارقة ، تتخلى الأن و حتما الهندسة النظرية عن العنصر الأول الذي أعادته الى الهندسة التطبيقية. فلم يعد في النظريات من مبرر لوجود حقيقة منفصلة، و بعبارة أخرى لوجود حقيقة ذرية : فحقيقتها ما هي سوى اندماجها في النسق فقط، و لهذا فبامكان النظريات المتنافرة فيما بينها أن تكون أيضا صادقة، شريطة أن نلحقها بأنساق مختلفة. أما الأنساق ذاتها فلم يعد الأمر بالنسبة إليها يتعلق بالصدق أو االكذب الى اذا ارتبط بالمعنى المنطقي للتماسك أو التناقص الداخلي
إن المبادئ التي تحكمها هي مجرد افتراضات في العرف الرياضي لهذه الكلمة: فهي فقط موضوعة و ليست مؤكدة و لا مشكوك فيها، كما في تخمينات العالم الفيزيائي، إلا أنها خارج الصدق و الكذب ، كقرار أو اصطلاح. هكذا، تأخذالحقيقة الرياضية طابعا شموليا: إنها لحقيقة تضمينية واسعة يشكل فيها ارتباط كل البادئ المقدم ، و يشكل فيها ارتباط كل النظريات التالي
التحليل
إن لكل علم تاريخه و إدذا ما تتبعنا تاريخ الرياضيات لوجدناها مرت بمرحلتين و كانت الرياضيات السائدة في المرحالة الأولى و كا تسمى المرحلة الكلاسيكيةهي رياضيات هندسة إقليدس و التي لاقت قبولا طوال 23 قرنا و لكن لم يبق الحال كما هو عليه بل ظهرت في الفترة المعاصرة هندسات جديدة ناقدة لهندسة اقليدس في مسألة الحقيقة الرياضية و التي كانت الرياضيات الكلاسيكية تؤمن بإطلاقيتها من هنا يكتب الفيلسوف و الرياضي الفرنسي المعاصر روبير بلانشي هذا النص طارحا الإشكال التالي :
هل تتعدد الحقيقة الرياضية بتععدد أنساثقها ؟بمعنى آخر هل الحقيقىة الرياضية مطلقة أم نسبية ؟
محاولة حل المشكلة
يرى صاحب النص أن هناك تعددفي الأنساق الرياضية ، بحيث أن نسق الرياضيات لم يبق واحدا كما في الهندسة الإقليدية الححسية، بل اتخد النسق الرياضي أنساقا إفتراضية احتمالية ، فالحقيقة اللاياضية أصبحت في هذا العصر حقيقة نسبية و ليست مطلثقة كما كان الشأن في الرياضيات الكلاسيكية فالرياضي لم يعد يهتم بالصدق أو الكذب بل أصبح يهتم للإنسجام المنطقي
يؤكد صاحب النص بداية أن هندسة إقليدس كيف أن الهندسة الإقليدية هي هندسة تأسيس عقلي حسي لفكرة المكان بأبعاده الثلاثة _الطول و العرض و الإرتفاع _ و الشيء الوحيد الذي يجعل هذه الهندسة تدم طويلا هو أنها أقرب إلى حدسنا الذي لا يهون عليه تصور المكان على صورة أخرى . ولكن بتطور العلوم تغيَرت الهندسات الرياضية ، و انتقدت الهندسة الكلاسيكية و من هؤلاء نجد العالم الروسي لوباتشوفسكي ال>ي حاول أن يعطي هندسة خاصة مبنية على تصور آخر للمكان و هو المكان المقعر و الذي يون ه نظرياته الخاصة من بينها مجموع زوايا المثلث أقل من قائمتين إضافة إلى العالم الألماني ريمان الذي أعطى الهندسةخاصة مبنية على تصور آخر للمكان و هو المكان المحدب و من بين نظرياته أن مجموع زوايا المثلث أكبر من قائمتين و امام هذا الإكتشاف الجديد و هذه الهندسات الاأقليدية تلاشى مفهوم اليقين المطلق و ظهر مفهوم الحقيقة النسبية حيث أن هذه الأنساق لا تهتم بالصدق و الكذب و إنما يتوقف صدق النتائج على مدى الإنسجام الداخلي للنسق أي مدى اتساق المقدمات مع النتائج و هذه المقدمات ما هي إلا افتراضات وضعها الرياضي و أنشأ على أساسها برهنة
نقد و تقويم
هذا ما أكده بوليفان في قوله " أن في عصرنا هذا أصبحت الرياضيات نسبية و لا مجال للحديث عن مطلقية الرياضيات وفي نفس الصدد يقول بوليقنيد " إننا نشهد عصر اختفاء القضايا المطلقة في الرياضيات " ومعنى هذا القول أن القضايا الرياضية السابقة كانت مطلقة ثابتة و لكن الآن أصبحت متغيرة تحكمها غكرة المواصفات التي أقر بها الفيلسوف هنري بوانكاريه و ذلك في قوله "إن المصادرات تتجلىكتعريفات متنكرة و هنا يقول بوليفان " إن كثرة الأنظمة في الهندسة لدليل على أن الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة و هنا تنبثق النهضة الفكرية ،حيث أن مباديء الرياضيات لا تعدوا أن تكون مجرد مصادرات يضعها الفكر و يسلم بها أو مجرد فرضيات كما أكد ذلك دافيد هيلبرت و على هذا الأساس يكون من المشروعية و المصداقية بإمكان تأسيس هندسة أخرى نتصور فيها مكانا خاليا من الأبعاد و نحدف قضية المتوازيات حذفا تاما و في هذا الشأن أكد برتراند راسل في قوله "إن الرياضيات هي العلم الذي لا نعرف فيه هل ما يقال فيه صحيح أم لا " برغم من تعدد أنساق الرياضيات الهندسية و نسبيتها فيالهندسات اللا أقليدية إلا أن هناك من الرياضيين و الفلاسفة من لا زال يقدر الهندسة الإقليدية حق تقدير و ذلك لما قدمته للبشرية و لازالت لحد اليوم مستعملة
حل المشكلة
إن الحقيقة رغم أنها كانت في الهندسة الكلاسيكية مطلقة إلا أنها أصبحت نسبية متغيرة بحيث أغرقت في التجريد بعيدة عنما هو حسي واقعي و الثورة النسبية مع أنشتاين أحدثت انقلابا ثوريا في الإنتقال من الإيمان بفكرة الثبات إلى فكرة النسبي
انطلاقا مما سبق تحليله يمكننا القول أن خاصية النسبية تخيم على أي علم مهما كانت طبيعته حتى لو كانت الرياضيات في حد ذاتها