انزويت على رصيف الشارع، في نفس المكان الذي التقيتها فيه لأول مرة. مثل متشرد أجلس على كيس نومي، أحمل قلما أخط به رسالة...
الناس من حولي تعبر، تملئ قلوبهم بهجة العيد، وأنا في كمد يخاطب حزني الورقة.. بعضهم يتصدق علي بالنقود.. هم يجهلون سبب وجودي هنا... هم يجهلون أنني لست مجرد متسول عاطل عن العمل، وإنما قلبي المحطم هو ما جعلني أقبع في هذه الزاوية كالمتسولين، أتوسل إلهي أن يستجيب لصلواتي.. هم يجهلون أنها تركتني جثة هامدة بلا حياة، يخنقني الحزن كما يخنق حبل المشانق مناط الحتوف، ويجعلك في عجز معلقا بين الأرض والسماء، تتخبط بحركات يائسة شوقا لأن تلقط نَفَس الحياة مرة ثانية.. نعم لقد رحلت.. وأنا هنا بمضرب لقائنا لأول مرة أرجو عودتها بيأس مفرط جعل الآمال تمتد ولو لآخر العمر.
كم مرة يلمحني رجال الشرطة هنا في زاويتي، ويحاولون إبعادي.. كم مرة ضنوا بأنني معتوه ضل عقله عن جادة رشده، ولكنني آبى الحراك من مكاني.. لا تبعدوني ! ففي مكاني حرقة وحنين، وأمل ممتد يلتمس استرجاع حب مقدس.. أحمل صورتها الغالية وأعبر وسط الناس، أردد على كل من يمر أمامي "من فضلك سيدي، إن رأيت هذه الفتاة، هلاَّ أخبرتها بمكاني؟" حتى صار الكل يعرفني، ويلقبونني بالرجل الصامد، نعم صرت مشهورا، حتى أنهم أذاعوا اسمي في التلفاز، وأخبروا الكل عن قصتي.. إلا أنها لم يبن لها لحد الآن أثرُ.. لا يهم فأنا قابع هنا لا أنقض رجائي بلقاء حبيبتي.. فهي حتما سوف تعود..