الكتاب: نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي
المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (المتوفى: 581هـ)
مسألة
في الحركة والحرف
الحركة عبارة عن تحريك العضو الذي هو الشفتان عند النطق بالصوت الذي
هو الحرف، والحرف عبارة عن جزء من الصوت.
ومحال أن تقوم الحركة بالحرف حتى يقال: حرف متحرك، حقيقة، لأن
الحرف الذي هو جزء من الصوت عرض عند جميع العقلاء إلا النَّظَّام.
وقوله لا ينسق مع الصواب في نظام فإذا ثبت أن الصوت عرض والحركة عرض آخر، فقولنا:
(حرف) متحرك أو ساكن، مجاز لأن السكون أيضاً ضد الحركة ومحله محلها.
وهو العضو، إذ لا تقوم الحركة والسكون إلا بجسم أو جوهر، فإذا ثبت ذلك فالضمة عبارة عن تحريك الشفتين بالضم عند النطق بالحرف، فيحدث عن ذلك صوت خفي مقارن للحرف، وإن امتد كان " واواً " وإن قصر كاناً ضمة ".
وصورتها عند حذاق الكتاب صورة " واو " صغيرة لأنها بعض واو.
والفتحة عبارة عن فتح الشفتين عند النطق بالحرف وحدوث الصوت الخفي
الذي يسمى فتحة أو نصبة، وإن امتدت كانت ألفاً، وإن قصرت فهي بعض ألف.
وصورتها كصورة ألف صغيرة.
وكذلك القول في الكسرة والياء أن إحداهما بعض
الأخرى، وحدوثهما عند تحريك العضو بالكسر مع مقارنة الحرف.
والسكون عبارة عن خلو العضو من الحركات عند النطق بالحرف، فلا
يحدث بعد الحرف صوت فينجزم عند ذلك، أي: ينقطع، فتسميه جزما، اعتباراً بالصوت وانجزامه، وتسميه سكونا، اعتباراً بالعضو الساكن.
فقولنا إذاً: فتح، وضم، وكسر، وسكون، هو من صفة العضو، وإذا سميناها رفعاً ونصباً وخفضاً وجزما، فهي من صفة الصوت، لأنه يرتفع عند ضم الشفتين، وينتصب عند فتحهما، وينخفض عند كسرهما، وينجزم عند سكونهما.
ولهذه الحكمة عبر أرباب الصنعة بالرفع والنصب والجزم والخفض عن
حركات الإعراب، إذ الإعراب لا يكون إلا بعامل وسبب، كما أن هذه الصفات التي تضاف إلى الصوت من رفع ونصب وخفض إنما يكون بسبب وهو تحرك العضو فاقتضت الحكمة اللطيفة والصنعة البديعة أن يعبر بما يكون عن سبب عما يكون لسبب وهو الإعراب، وأن يعبر بالفتح والضم والكسر والسكون عن أحوال البناء، فإن البناء لا يكون بسبب، أعني بالسبب العامل.
فاقتضت الحكمة أن يعبر عن تلك الأحوال بما يكون وجوده بغير آلة، إذ
الحركات الموجودة في العضو لا تكون بآلة، كما تكون الصفات المضافة إلى
الصوت.
فمن تأمل هذه الحكمة من أرباب الصناعة، رأى من بعد غورهم، ودقة
أذهانهم، ورجاحة أحلامهم، وثقابة أفهامهم، ما يستدل به على أنهم مؤيدون بالحكمة في جميع أغراضهم وكلامهم.
ولعلنا أن نعطف عنان الكلام بعد هذا إلى الخفض وتسميتهم إياه جرًّا.
والتكلم على صورته في الخط، إلى غير ذلك مما يليق ذكره بذلك المقام، والله المستعان.
* * *