عاش يحلم ببناء مجتمع منتج فى مصر.. جاب الصحراء ووادى النيل طولا وعرضا..
كاتب الموضوع
رسالة
هنا جلال المدير
عدد المساهمات : 24470 نقاط : 64474 السٌّمعَة : 8 تاريخ التسجيل : 18/12/2012
موضوع: عاش يحلم ببناء مجتمع منتج فى مصر.. جاب الصحراء ووادى النيل طولا وعرضا.. السبت فبراير 09, 2013 2:47 am
عاش يحلم ببناء مجتمع منتج فى مصر.. جاب الصحراء ووادى النيل طولا وعرضا.. وقال: "الشعب المصرى عاش مقهورا محصورا" ثم مات فى أمريكا.. ورحل عالم الجيولوجيا رشدى سعيد!!
السبت، 9 فبراير 2013 - 03:03
العالم رشدى سعيد
كتبت دينا عبد العليم
المشكلة الكبرى فى مصر الآن، أنه لابد من عمل مجتمع منتج؛ لأن المجتمع المنتج هو المجتمع الوحيد القادر على بناء مؤسسات صالحة غير فاسدة، وجزء من فساد المجتمعات الأوروبية وأمريكا، التى لم يكن بها فساد، أن المجتمع المنتج انتهى، فتاريخ كل المجتمعات الصالحة حدثت وقت البناء والإنتاج، إنجلترا مثلا لم تبنى قضاء ومصلحة جمارك وضرائب سليمة إلا عندما كانت لديها صناعة، واضطرت لأن تفعل هذا، وإلا لما استطاعت بناء شىء.
هكذا لخص الدكتور رشدى سعيد عالم الجيولوجيا المصرى، الذى رحل عن عالمنا مساء الخميس بالولايات المتحدة الأمريكية، الأزمة التى تعيشها مصر، قبل وبعد ثورة 25 يناير، فهو يرى أن المجتمع المنتج وحده قادر على القضاء على الفساد، لذا طالب قبل رحيله بأعوام كثيرة بإقرار مشروع قومى لعمل مجتمع صناعى بمصر هو بناء مجتمع منتج، نستطيع بناء مصر من جديد، وكان يقول إنه يثق فى أن شعب مصر سيستجيب لأنه يحتاج إلى مشروع قومى كبير للالتفاف حوله.
العديد من الحوارات الصحفية أجريت مع الراحل، عرفنا خلالها على أفكاره ومشروعه الذى أطلق عليه "وادى النيل" والذى اقترحه الراحل لتعمير الصحراء الشاسعة فى مصر وتحويلها إلى أراضى مستغلة، ويعتمد المشروع على تعمير جزء من الصحراء يرتبط بوادى النيل بشبكة محكمة من المواصلات والاتصالات، واقترح إقامته فى المنطقة الواقعة شمال الصحراء الغربية، والتى يحدها البحر المتوسط من الشمال ومنخفض القطارة وواحة سيوه من الجنوب، بسبب اعتدال مناخها وانبساط تضاريسها وقربها من مناطق الطاقة – حقول الغاز الطبيعى – ومراكز العمران والبحر الذى يمكن استخدام مياهه فى التبريد فى كثير من الصناعات.
واستمد الراحل فكرة هذا المشروع من الحضارات القديمة التى يرى أنها أحسنت استغلال صحارى مصر، تلك الصحارى التى تضم موارد طبيعية كثيرة يرى الراحل أنه لو أحسنا استخدامها ستصبح مصر من البلاد التى يستطيع شعبها، أن يحيا حياة كريمة جدا؛ لأن مواردها ليست قليلة، لكن للأسف مصر أساءت استخدامها لدرجة أطلق عليها الراحل "جريمة" ويضرب الراحل مثال بالاستغلال السيئ لسواحل مصر فى تخصيصها للترفيه أو للسياحة، لأن الامتداد الطبيعى والحقيقى لمصر وفقا لوجهة نظره موجود على السواحل البحرية، التى كان من الممكن أن تكون امتداداً طبيعياً لمصر، بحيث تبنى عليها مصر الجديدة مصر المستقبل، لأن مصر ستعيش فى حدود ضيقة من المياه، إذن لابد أن يكون لدينا على السواحل محطات لتحلية مياه البحر، بحيث يقدر أن يعيش عليها الناس، وتقدر تعمل امتدادات خارج مصر.
لا يزال مشروع الدكتور رشدى الذى كرس له سنوات عمره وهو الارتقاء بالإنسان المصرى مستمر، ليس فقط من خلال أبحاثه ودراساته العلمية فحسب، بل أيضا من خلال عالم الثقافة والتنوير ونشر المنهج العقلانى الإنسانى المتحرر من آفة التعصب والعنصرية، وهى السمات الأساسية فى تكوين شخصيته التى يدعو إليها بين كل المصريين.
مع الاحتفال بعيد ميلاده الثمانين أعلن الراحل عن كتاب يضم مذكراته بعنوان "رحلة عمر... ثروات مصر بين عبد الناصر والسادات"، قسمه الراحل إلى فصول هى النشأة ـ التكوين ـ ذكريات علمية بين الجامعة ومؤسسة التعدين ـ ذكريات سياسية ـ سنوات الأمل والإحباط 68 ـ 1981، سنوات الغربة 81 ـ 2000، غير أن ما يصعب اكتشافه ببساطة حقاً هو التفاعل الداخلى بين مكونات الكتاب وبعضها، وبين الكتاب نفسه، والواقع المصرى الراهن بكل تعقيداته.
بدأ الدكتور سعيد بإعلان أنه يكتب فى الثمانين ودون مواربة، فهى السن التى لا يطمح الإنسان فيها إلا إلى "الستر والصحة"، ولا يستطيع عندها أن يخفى شيئاً ولو كان قد سكت عنه من قبل، ويدلل على صدقه منذ اللحظة الأولى، فيقول مثلا: "إن نظم الحكم فى مصر ما زالت تحتفظ بالكثير من سمات نظم الحكم فى العصر الوسيط.. وهى لا تسمح عملياً بالمشاركة كما لا تسمح بإخضاع السلطة للمساءلة الجادة".
يرى رشدى سعيد، أن مصر كانت أغنى دولة فى العالم قبل الثورة الصناعية، ويعتبر أن قيام إسرائيل عام 1948، وعنصر البطالة هما أهم رافدان لبعث التطرف الدينى فى مصر وبصفة خاصة فى الجامعة، ويشير فى المذكرات إلى أن التسامح الذى أرسته ثورة 1919 الليبرالية.. ثورة النهضة الكبرى، قد تلقى أولى الطعنات حين مال إسماعيل صدقى إلى قوى اليمين الدينى لضرب خصومه من الليبراليين واليساريين.
ويأس رشدى سعيد، لأن ضباط يوليو كانوا قليلى المعرفة بالآخر الدينى إلى حد أن فتحى رضوان هو الذى ذكرهم بفريد أنطون ليكون الوزير الوحيد ـ القبطى ـ فى أول وزارة بعد الثورة (وزير تموين!)، وعلى الرغم من إيمان الدكتور سعيد وأسرته بالليبرالية وبالزعامة التاريخية لسعد زغلول ودور حزب الوفد، إلا أن الدكتور رشدى يتحدث بصراحة عن أوضاع مصر قبل 1952، حين كان شعبها "مقهوراً ومحصوراً فى واديه الضيق". ويتوقف المؤلف طويلا عند التعليم الذى بدأ يتدهور، ومعه البحث العلمى، ولا يزال فى مصر، منذ 1952 حتى الآن، لينتهى إلى القول بإنه حين ترك الجامعة عام 1977 كان على يقين بأن كل الإنجازات الثقافية والعلمية ذات القيمة، تمت إما بعيداً عن الجامعة، أو بعد الابتعاد عنها.
ولأن الدكتور رشدى هو الذى تولى قيادة مؤسسة التعدين بعد كارثة يونيو 1967، فقد أفرد لها زاوية خاصة قص فيها كل ما قام به إدارياً وتنظيمياً وكشفياً وبحثياً إلى أن ازيح عنها بفعل الفتن السياسية، غير أن سنوات العمل فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب فى الحقبة الساداتية، قد عوضته عن العجز عن العمل بالداخل، من ناحية، وفتحت أمامه الباب للتأثير الدولى الواسع، حتى كاد أن يصبح رئيساً للاتحاد البرلمانى الدولى لولا عدم حماس بعض الأطراف، من ناحية أخرى.
الجدير بالذكر، أن الدكتور رشدى السعيد ولد بحى القللى بشبرا عام 1920م، لأسرة تعود أصولها لمحافظة أسيوط، التحق بكلية العلوم عام 1937وتخرج فيها عام 1941 بمرتبة الشرف الأولى، ومن ثم عين معيدا بالكلية، بدأ عمله بالتدريس داخل الكلية بعد عودته من بعثته العلمية بالمعهد العالى الاتحادى السويسرى فى زيورخ بسويسرا، وبمقابلته للدكتور مصطفى مشرفة عميد كلية العلوم فى هذا الوقت، وافق على نقله إلى جامعة هارفارد الأمريكية ليحصل على درجة الدكتوراه من هناك (كأول مصرى يحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد - واحدة من أعظم الجامعات فى العالم).
أتيحت له فرصة العمل السياسى فى فترة الستينيات والسبعينيات كعضو فى مجلس الشعب وفى الاتحاد البرلمانى الدولى، لتشمله فى النهاية قرارات اعتقال 1981، ولم يجد أمامه طريقاً إلا تقديم استقالته بعد أن تغيرت اهتمامات مصر، واضطر للهجرة خارج الوطن وبيع مكتبته العلمية ليستطيع الحياة فى الولايات المتحدة.
موضوعات متعلقة..
وفاة عالم الجيولوجيا المصرى رشدى سعيد فى الولايات المتحدة
عاش يحلم ببناء مجتمع منتج فى مصر.. جاب الصحراء ووادى النيل طولا وعرضا..