معلقه عبيد بن الابرص
عبيد بن الأبرص
قال محمد بن عمرو بن أبي عمرو الشيباني وكان من حديث عبيد بن الأبرص بن جشم بن عامر بن فهر بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أنه كان رجلا محتاجا، ولم يكن له مال. فأقبل ذات يوم ومعه غنيمة له، ومعه أخته ماوية ليورد غنمه، فمنعه رجل من بني مالك بن ثعلبة وجبهه، فانطلق حزينا مهموما، لما صنع به المالكي حتى أتى شجيرات فاستظل هو وأخته تحتهن، وناما فزعم أن المالكي نظر إليه نائما وأخته إلى جنبه وقال:
ذاك عبيد قد أصاب ميا
يا ليته ألقحها صبـيا
فحملت فولدت ضاويا
فسمع عبيد، فساءه ذلك فرفع يده نحو السماء فقال: اللهم إن كان ظلمني ورماني بالبهتان، فأذن لي منه ثم نام ولم يكن قبل ذلك يقول شعرا.
فأتاه آت في منامه بكبة من شعر فألقاها في فيه، ثم قال له: قم. فقام وهو يرتجز ببني مالك وكان يقال لهم بنو الزنية فقال:
يا بني الزنية يا غركـم
لكم الويل بسربال حجر
ثم اندفع في الشعر فقال:
أقفر من أهله ملحوب
فالقطبيات فالذنوب
ملحوب موضع ماء، القطبيات وحبر جبلان الذنوب موضع.
[فراكس فثـعـيلـبـات
فذات فرقين فالقـلـيب
فعردة فـقـفـا حـبـر
ليس بها منهـم عـريب
إن بدلت أهلها وحـوشـا
وغيرت حالها الخطوب
أرض توارثها شـعـوب
وكل من حلها محروب
إما قتيلا وإما هـالـكـا
والشيب شين لمن يشيب
عيناك دمعهمـا سـروب
كأن شأنيهما شـعـيب
واهية أو معين ممـعـن
من هضبة دونهما لهوب
أو فـلـج بـبـطـن واد
للماء من تحته قسـيب
أو جدول في ظلال نخـل
للماء من تحته سكوب]
وتصبو وأنى لك التصـابـي
أنى وقد راعك المـشـيب
[إن يك حول منها أهلـهـا
فلا بـدئ ولا عـجــيب
أو يك قد افتقر منها جوهـا
وعادها المحل والجـدوب
فكل ذي نعمة مخلوسـهـا
وكل ذي أمل مـكـذوب]
وكل ذي [إبـل مـوروث]
وكل ذي سلب مسـلـوب
وكـل ذي غـــيبة يؤوب
وغائب المـوت لا يؤوب
أعاقـر مـثـل ذات رحـم
أم غانم مثل من لا يخـيب
من يسأل الناس يحـرمـوه
وسـائل الـلـه لا يخـيب
[بالـلـه يدرك كـل خـير
والقول في بعضه تلغـيب
والـلـه لـيس لـه شـريك
علام ما أخفت القـلـوب
أفلح بما شئت فقـد يبـلـغ
بالضعف وقد يخدع الأريب
لا يعظ الناس مـن لا يعـظ
الدهر ولا ينفع التلـبـيب
إلا سجايا مـن الـقـلـوب
وكم يرى شانـئا حـبـيب
ساعد بأرض إذا كنت بـهـا
ولا تقل إنـنـي غـريب
لا ينفع اللب عـن تـعـلـم
إلا السجيات والـقـلـوب
فقد يعودن حبيبـا شـانـئي
ويرجعن شانـئا حـبـيب
قد يوصل النازح النائي وقد
يقطع ذو الهمة الـقـريب
والمرء ما عاش في تكـذيب
طول الحياة له تـعـذيب
بل رب ماء وردتـه آجـن
سبـيلـه خـائف جـديب
بل إن أكن قد علتني كبـرة
والشيب شين لمن يشـيب
ريش الحمام علـى أرجـائه
للقلب من خوفـه وجـيب
قطعته غـدوة مـشـيحـا
وصاحبي بـادن خـبـوب
عيرانة مؤجـد فـقـارهـا
كأن حاركـهـا كـثـيب
مخـلـف بـازل ســديس
لاحـقة هـي ولا نـيوب
كأنهما من حـمـير غـاب
جون بصفحـتـه نـدوب
أو شبب يرتعي الرخـامـى
تلفه شـمـأل، هـبـوب]
فذاك عصـر وقـد أرانـي
تحملني نهدة سـرحـوب
[مضبر خلقها تـضـبـيراً
ينشق عن وجهها السبـيب
زيتـية نـائم عـروقـهـا
ولين أسـرهـا رطـيب]
كأنها لقوة طلوب=تخر في وكرها القلوب
[باتت علـى إرم عـذوبـا
كأنـهـا شـيخة رقـوب
فأصبحت في غـداة قـرة
يسقط عن ريشها الضريب
فأبصرت ثعلبـا سـريعـا
ودونه سبـسـب جـديب
فنفضت ريشـهـا، وولـت
فذاك من نهـضة قـريب
فاشتال، وارتاع من حبـس
وفعله يفعل الـمـذءوب
فنهضت نـحـوه حـثـيثة
وحردت حرده تـسـيب
فدب مـن رأيهـا دبـيبـا
والعين حملاقها مقلـوب
فأدركتـه، فـطـرحـتـه
والصيد من تحتها مكروب
فجدلتـه، فـطـرحـتـه
فكدحت وجهه الجـبـوب
فعـاودتـه فـرفـعـتـه
فأرسلت وهو مـكـروب
يضفو ومخبلها فـي دفـه
لا بد حيزومه منـقـوب]
وهذه القصيدة نحو أربعين بيتاً وفي هذا القدر منها كفاية والله الموفق.