berber المشرف
عدد المساهمات : 5768 نقاط : 16205 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 12/08/2014
| موضوع: شبعة العيد الإثنين يونيو 01, 2015 11:23 am | |
| شبعة العيد [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كاد النجار أن يطير فرحا عندما علم بأن زوجته قد وضعت مولودا ذكرا بعد سلسة من الولادات الأنثوية وخرج مسرعا إلى السوق, فإستدان بعض إحتياجات الوالدة والمولود. كانت أحواله المادية عسيرة صعبة, لذلك كان يمارس الكثير من الأنشطة التي يكسب منها ما يخفف عنه من أعباء الحياة. لكن الأمور كانت تزداد سوء كلما إزداد عدد أفراد الأسرة. فولادة ذلك الصبي كانت بداية أعقبتها ولادة صبيان آخرين لكنه كان سعيدا بهم, مدركا أن لكل شىء نهاية. لم يكن ذلك النجّار طيبا بطبيعته, لكنها الظروف القاسية والفقر والعوز قصمت ظهره ولوت عنقه وأجبرته على أن يكون متواضعا حتى حين. كافح وناضل حتى كبر العيال بفضل من الله تعالى وعونه لكنه كان كثير الشكوى والضجر في مرحلة العسرة وكان يعتقد بأنَّه الوحيد الذي يقاسي ويشقى لكسب لقمة العيش الحلال تعرض لكثير من المشكلات والتحديات التي تمر على كل إنسان لكنه لم يكن يمتلك مقدارا كافيا من الحكمة لذلك كان يضخّم الأمور ويضع اللوم على الآخرين متجاهلا القضاء والقدر, ولم يحاول أن ينظر إلى الأمور بعين العدل والإنصاف وأن هذه طبيعة الحياة تقسى حينا وتطيب حينا بل كان ينظر بعين محدودة النظر, يفسر له قلبه كل ما تراه العين وتسمعه الأذن وفقا لرغباته وأمنياته وإذا لم يلبّى له طلب كان السبب معارضة فلان وإذا فشل مسعاه مرة كان هناك من تعمّد إفشاله. يبني أحكامه على أساس من الشكِّ والأرتياب المسبق. فاختلطت عليه الأمور, وضاعفت مسؤولياته الأسرية من صعوبة وتعقيد تفكيره السقيم, فأصيب بحالة من التخبط والهذيان جعلته لا يتقبل نصح المخلصين ولا إرشاد الفاهمين. بل جعل كل من عارض تصرفاته الرعناء عدوا وكل من خالف هواه خصما. وصنّف الأقارب والأرحام, والأهل والجيران أصدقاءا أوأعداءا على حسب تماشيهم مع رغباته, وتكيّفهم مع مزاجه ومراعاتهم لطموحاته وأحلامه السخيفة ومداراتهم له وتقبّلهم لسلوكه المشين وأرائه المتخلِّفة وعلى قدر إنتفاعه منهم ماديا أولا وقبل كل شىء. لكنه كان عاجزا عن كشف ما في صدره من حقد وغلٍ وبغض لمن صنّفه كعدوٍّ في هذه المرحلة.وإنّما كان يشكو إلى القاصي والداني العقوق والجحود والنكران والتمرّد ممن خالفه إلى من حالفه من اللئام والنمّامين وطالبي الشهرة والجاه بأي ثمن. ومع الوقت بدات أزماته تنفرج شيئا فشيئا وهذا أمر طبيعي فبعد العسر يسر, والله هو المتصرّف بالعباد. وعندما تحسّنت حالته المادية, وشبّ أبناؤه وبناته ظهرت ملامح شخصيته الحقيقية تطغى على تصرفاته وبدأ لسانه يترجم ما في قلبه من أمراض وأوهام.وأخذت ملامح جنون العظمة تظهر على تصرفاته . ومع إنه كان يتقدّم في السن الأمر الذي يفترض معه أن تتسع مداركه وأن يكتسب الكثير من الحكمة إلا أنه خالف هذه القاعدة وأكتسب الكثير من الغرور بفعل المديح المتواصل. وإفتتح مرحلة من تحدّي المجتمع وقيمه ومبادئه, مبتدئا بالأرحام وشرع في تكوين كتلة إجتماعية ممن هم على طبيعته في الغرور والإنحطاط الأخلاقي, الذين يثمّنون كل شىء بالمال فقط فكانوا له أسْير من الشِعْر وأطوع من جِنّ سليمان. وقد قيل قديما: الطيور على أشكالها تقع وفعلا صوّر له أولئك الحثالة جهاده في سبيل لقمة العيش على أنه نقبا في الصخر الأصم, وأوهموه بأنه أنجز أعظم معجزة عندما أعال عياله وبنى منزلا, وما فتئوا ينفخون قربة غروره بكلمات المديح والثناء المعسول حتى فاض وهمه, وفاحت رائحة طيشه عندها إكتسب ثقة عمياء بذاته التي يظنُّها فريدة وبقدراته العقلية التي يحسبهاعالية وبعزيمته الفولاذية كما يتهيىء له وبشخصيته التي لا يستغنى عنها كما يتوهّم. وخال نفسه أرفع من السماء, بينما هو أجهل من حمار أهله وأحمق من ناطح الصخرة. فجعل يعارض للمعارضة, ويجادل للفت الأنظار, ويخالف ليعرف. وولج في صراعات جدلية, ونزاعات كلامية مع القريب والبعيد الكبير والصغير ممن لا يسايره على هواه. وفرض على أتباعه أسلوب حياة وتفكير لا يتزحزحون عنه قيد أنملة. وأخذت زمرته الفاسدة تتبنى مواقفه المشبوهة وأفكاره الشاذة وفلسفته العقيمة, وحملوا حملة إفتراء وكذب صادقة على من خالف مذهبهم السقيم, وشهّروا بمن وقف في طريقهم وأتّهموا كل من تمسّك بالأخلاق الحميدة بالخنوع والذّل والضعف والبلادة والحقيقة غير هذا. وفعلا تحقق للنجار بعض المحد الزائف وربح إعجاب الموهومين, ومحبة ضعاف النفوس وولاء لئام الناس. فزادته هذه المكاسب الواهية عتوا ونفورا. فصار أحقد من جمل على مخالفيه ومعارضيه, يتربّص بهم الدوائر. فلم يعد يرى سوى صورة نفسه, ولم يعد يسمع غير صوت رغباته وأفرط فأسقط, فشقّ على مؤيديه رضاؤه, وإستحالت مراجعته وأستعصت مناصحته, وعندما أقدم بعضهم على مصارحته ببعده عن الواقع أنفجر النجار في وجه المصارح ومنع عنه زاده من التزكية والإطراء الكاذب. فتاب إليه توبة نصوحا, وأتّعظ بقيّة المتضامنين بما وقع على صاحبهم من سخط النجار. فأمتنعوا عن قول الحقيقة وأضمروا الغدر و الكراهية في صدورهم وأخذوا يدفعونه نحو الهاوية بسكوتهم عن مناقشته وإظهارهم السرور بجبروته وظلمه, وكذبه وتدليسه. فأشبعهم من زاده, ولكنها كانت مجرّد شبعة عيد. فلقد تراجع اللئام عن مسايرته سريعا وأمتنع النمّامون عن إشاعة أكاذيبه, وعاد المغرر بهم إلى رشدهم بعد أن بلغ سيل المهانة الزبى, وبعد أن حصدوا ثمرة الغش المرّة. وقد أغلق الراشدون دونه أبواب قلوبهم وأظهر له البعض إمتعاضه وكاشفه آخرون بشفقته عليه. وصار لاجىء بعد أن كان ملجاء وطالبا بعد أن كان مطلوبا, ومحل شفقه بعد أن كان مثار إعجاب. لكنه ظل كالجبل, لا تهزّه رياح الحقيقة, ولا تؤثر فيه دموع الأسى ولا يؤلمه هجر الإخوة والأخوات, والأخوال والعمّات. فقد مشاعر بني آدم, وتحجّر قلبه, وعدم الحياء.ووقع في أم جندب فلا قيمة بعد ذا تذكر. وحقّت عليه العقوبة الإلهيّة العاجلة.
|
|