الغش في الامتحانات كمظهر من مظاهر انتشار اللامعيارية في المجتمع
شارك في إعداد البحث الدكتور عثمان علي أميمن ، أستاذ مساعد لعلم النفس الاجتماعي بجامعة ناصر
تمهـــــــيد:
حاولت دراسات كثيرة حول ظاهرة الغش فى الامتحانات، معرفة العلاقة بين بعض العوامل الذاتية للطالب، وبين لجوئه الى الغش. ونقترح هنا استراتيجية مختلفة تعتمد على التفتيش عن الأسباب في داخل البناء الاجتماعي بصفة عامة، ونسق القيم فيه بصفة خاصة . ويتلخص الفرض العام الذي يقود هذه الورقة على أن تغييرات قد تحدث على نسق القيم، تؤدي الى أن تصير بعض أنماط السلوك التي كانت غير مقبولة، ويجرمها القانون عادية في نظر بعض الأفراد الذين تعنيهم . عندما يتقدم مثل هذا الفرض العام مشروعا بحثيا، يوجه الباحث اهتمامه نحو أركان البناء الاجتماعي، منقبا عن مؤشرات تدعم وجود حالة اللامعيارية أولا ، وقياس مدى انتشارها ثانيا ، وخصائص هذا الانتشار ثالثا.
وتعكس اللامعيارية حالة من حالات اختلال القيم والمعايير على مستوى المجتمع بكافة فئاته ونظمه ، ومؤسساته الاجتماعية . ويصبح نمط من أنماط السلوك المنحرف كالغش مثلا، لا يمثل مشكلة فردية تنم عن اختلال النسق القيمي والأخلاقي للطالب. بل يصير هذا السلوك انعكاسا لما يدور في البيئة الاجتماعية من ممارسات، لا يتقيد أصحابها بالشروط اللازم توفرها في الوسائل لتجعلها سبلا قانونية ومشروعة للوصول الى الأهداف .
مع أن نسق القيم السائد في المجتمع هو الذي يتحكم في نسق القيم السائد على مستوى الفرد، إلا أن نسق الأخير قد يتأثر بعوامل خارجية كثيرة . ويفترض بالنسبة للموضوع الحالي، أن الذي سيسلك سبيلا نتيجة لتأثره بخصائص في البيئة المحلية تضغط باتجاه اللامعيارية، لا بد وأنه تطورت في داخل نسقه القيمي حالة من اللامعيارية . وسنطلق على هذه الحالة الخاصة بالفرد ( الأنوميا ). وسنفترض وجود علاقة بين الأنوميا ( اللامعيارية على مستوى الفرد) وبين سلوك الغش . ونفترض أن هذه العلاقة ليست مباشرة، وانما تمر عبر متغيرين آخرين هما تجاوز الطالب عن الغش فى الامتحان ( درجة تأييده للسير في هذا الطريق ) ، وعدم اهتمامه العمل الأكاديمي . وعليه فحالة التجاوز عن الغش، وحالة عدم الاهتمام بالعمل الأكاديمي ستؤديان الى سلوك الغش نفسه. وإذا كانت ظاهرة الغش في الامتحانات مشكلة أخلاقية، فقد تسهم فيها بعض الظروف الاجتماعية المحيطة بالطلاب ، فما هي يا تري تلك العوامل التي تتعلق بالطلاب أنفسهم، فتجعلهم يتجاوزون عن سلوك الغش، ومن ثم ينخرطون في ممارسته ؟ وما علاقة كل هذا بدرجة اهتمام الطالب بالتحصيل العلمي، وحرصه على التزود بمعرفة علمية على درجة عالية من الجودة ، وحرصه على التفوق العلمي بجدارة ، ومقارنته لتحصيله بتحصيل الآخرين في مجتمعه أولا، وفي خارج مجتمعه ثانيا بعد أن أصبح العالم من حيث سهولة الاتصالات والوقوف على ما يجري في بقية أنحاء المعمورة كالقرية؟