بحث طبي حول داء المهبل البكتيري..
إن الرائحة المميزة والمصاحبة للإفرازات المهبلية، هي أحد الأسباب الأساسية التي تدفع المرأة لطلب المشورة الطبية، دون أن تعلم أنها مصابة بنوع من أنواع التهاب المهبل الشائع جداً بين النساء في سن الإنجاب. وهذه الحالة تسمى "داء المهبل البكتيري" Bacterial Vaginosis، الذي كان يسمى في السابق "التهاب المهبل الغاردنيريلي" Gardnerella Vaginitis أو "التهاب المهبل غير المحدد" Nonspecific Vaginitis.
وقد أشارت دراسة قام بها كاتب هذا المقال (د. جابي كيفوركيان) وزميله الدكتور فواز الزرو، إلى أن واحدة من كل سبع نساء مقدسيات تصاب بهذا النوع من التهاب المهبل على الأقل مرة واحدة في مرحلة من مراحل حياتها، ولا يستثنى من ذلك النساء في مرحلة سن انقطاع الحيض، غير أن نسبة الإصابة بداء المهبل البكتيري في هذه السن تكون منخفضة جداً مقارنة مع مرحلة ما قبل انقطاع الحيض. وأما النساء الحوامل فتصاب واحدة من كل خمس نساء حوامل بهذا الداء.
• أسباب الداء
تحت تأثير عوامل معينة، تكاد تكون افتراضية (سيأتي شرحها لاحقاً) يختل التوازن الطبيعي بين أنواع عديدة من البكتيريا الموجودة داخل تجويف المهبل. وهذا يؤدي بدوره الى تكاثر البكتيريا اللاهوائية Anaerobic الضارة، ويزيد عددها على حساب البكتيريا النافعة (تعرف البكتيريا اللاهوائية، بأنها نوع من انواع البكتيريا التي لا تحتاج للأكسجين للبقاء على قيد الحياة) وهذا يؤدي بدوره الى التهاب خلايا جدران تجويف المهبل.
وبتعبير أكثر تفصيلاً، أستطيع القول إن البكتيريا الضارة Gardnerella و Mobiluncus (الموجودة عادة بعدد قليل داخل المهبل) تتكاثر بحيث يفوق عددها عدد البكتيريا النافعة المسماة "الملبنات" Lactobacilli (التي تكون عادة أكثر عدداً من البكتيريا الضارة، وفي حال زيادة عدد الأخيرة تقوم البكتيريا النافعة بإفراز مادة مطهرة تسمى "فوق أكسيد الهيدروجين" Hydrogen Peroxide وبهذا تحافظ على التوازن بينها وبين الأنواع المختلفة من البكتيريا الموجودة داخل تجويف المهبل).
وأود هنا أن أشدد على أن الالتهاب الحاصل في الحالة المذكورة سابقاً سببها بكتيري، وليس فطري (فطريات)، لهذا سنرى لاحقاً أن علاجه يختلف عن علاج التهاب المهبل الفطري.
وأما العوامل المفترضة التي تلعب دوراً في حدوث خلل التوازن الطبيعي بين الأنواع المختلفة من البكتيريا في تجويف المهبل، فهي:
- الكرب النفسي Stress.
- استخدام اللولب المانع للحمل.
- فرط النشاط الجنسي.
- استخدام صابون وشامبو غنيين بالمواد الكيميائية.
- شطف تجويف المهبل بواسطة النضح (الدوش) ما يؤدي الى انخفاض عدد البكتيريا النافعة.
وأرى لزاماً عليّ أن أوضح هنا أن داء المهبل البكتيري ليس مرضاً جنسياً، أي أنه لا ينتقل عن طريق ممارسة الجنس، أو جراء استخدام المرحاض أو برك السباحة. ونادراً ما تصاب به النساء اللواتي لا يمارسن الجنس.
ويعتقد بعض الأطباء أن تناول المضادات الحيوية لعلاج أمراض أخرى، مثل التهاب الحلق واللوزتين والتهاب المسالك البولية..، لأكثر من أسبوع قد يؤدي الى القضاء على البكتيريا النافعة الموجودة في المهبل. لذلك في مثل هذه الحالة يفضل تناول اللبنة واللبن (حليب مصفى) وذلك لاحتوائهما على البكتيريا النافعة Lactobacillus.
• الصورة السريرية
العرض والعلامة الأساسية عند المرأة المصابة بداء المهبل البكتيري، هي: وجود إفرازات مهبلية رقيقة، مائية أو رغوية، رمادية أو بيضاء (لبنية) اللون، مصحوبة برائحة كريهة تشبة رائحة السمك، أو رائحة العفن. ويلاحظ في بعض الأحيان أن هذه الرائحة تزداد شدة بعد ممارسة الجنس، وذلك بسبب اختلاط السائل المنوي مع الإفرازات المهبلية.
ومن العلامات والأعراض الأخرى التي قد تصاحب داء المهبل البكتيري، هي: الإحساس بألم أو حرقة أثناء التبول أو أثناء الجماع، احمرار وحكة في منطقة الجهاز التناسلي الخارجي. وقد يحدث نزيف دموي طفيف بعد الجماع.
ويمكن تأكيد التشخيص بواسطة أخذ عينة من الإفرازات المهبلية ووضعها على شريحة مجهرية، وإضافة كمية قليلة من "هيدروكسيد البوتاسيوم" Potassium Hydroxide اليها، وفي حال معاناة المرأة من داء المهبل البكتيري يُلاحظ صدور رائحة شبيهة برائحة السمك.
وأما في حال إضافة كمية قليلة من "كلوريد الصوديوم" (ملح الطعام) Sodium Chloride الى الإفرازات المهبلية، فإن هذا يؤدي مجهرياً الى ظهور خلايا جدار المهبل الظهارية Epithelial محاطة (مغلفة) بالبكتيريا. وكذلك فإن التهاب المهبل البكتيري يؤدي الى تحول بيئة المهبل من الحامضية الى القلوية (سيأتي شرحه لاحقاً).
• العلاج
يتم العلاج بواسطة استخدام أحد المضادين الحيويين Metronidazole أو Clindamycin على شكل أقراص فموية أو مراهم وتحاميل مهبلية. وتقتل هذه المضادات الحيوية البكتيريا الضارة دون إلحاق الأذى بالبكتيريا النافعة.
ويُسمح للنساء الحوامل باستخدام هذه المضادات الحيوية وفق جرعات يحددها الطبيب المعالج، ويمنع ممارسة الجنس أثناء فترة العلاج.
وأما بالنسبة للنساء اللواتي وصلن سن انقطاع الحيض، فمن الممكن استخدام تحاميل مهبلية تحتوي على هرمون الأستروجين Estrogen الى جانب المضادات الحيوية المذكورة سابقاً.
• المضاعفات
معظم حالات داء المهبل البكتيري لا تؤدي الى مضاعفات وتستجيب للعلاج بشكل جيد، غير أن عدداً قليلاً من الحالات قد يؤدي الى المضاعفات التالية:
ولادة طفل بوزن أقل من الوزن الطبيعي.
ولادة طفل خداج (قبل الشهر التاسع وبعد الأسبوع العشرين).
حمل خارج الرحم.
التهاب الأعضاء الواقعة في تجويف الحوض.
العقم (عدم المقدرةعلى الإنجاب).
أشارت دراسات عديدة الى أن المرأة التي تعاني من التهاب المهبل البكتيري، أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً.
كذلك فإن المرأة التي تعاني من التهاب المهبل البكتيري، أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والإنتان Infection بعد خضوعها لعمليات جراحية في أعضائها التناسلية.
• تجدد أعراض داء المهبل البكتيري
قد تعود وتتجدد أعراض داء المهبل البكتيري بعد الشفاء بنحو ثلاثة الى ستة شهور. ويوصي بعض الأطباء في هذه الحالة بتمديد وإطالة المدة التي يتم فيها تناول عقار "المترونيدازول". غير أن كاتب هذا المقال (د. جابي كيفوركيان) لا ينصح بذلك، لأن تناول هذا العقار عن طريق الفم لفترة طويلة قد يؤدي الى القضاء على البكتيريا النافعة الموجودة في الأمعاء الغليظة، ما يؤدي الى إصابة الأمعاء بالتهاب مزمن قد يؤدي أحياناً الى نزيف معوي، وهذا قد يجعل الأطباء يعتقدون خطأ بأن المريض يشكو من "التهاب القولون التقرحي" Ulcerative Colitis وبالتالي اتخاذ قرارات علاجية خاطئة. لذلك يفضل في حالة تكرار التهاب المهبل البكتيري علاج الحالة بالإكثار من تناول اللبن واللبنة، أو أغذية أخرى تحتوي على بكتيريا "الملبنات" Lactobacilli، بدلاً من إطالة فترة تناول المضادات الحيوية.
• الوقاية
يمنع استخدام الصابون والشامبو المعطرين لتنظيف الجهاز التناسلي الخارجي.
يمنع شطف تجويف المهبل لا بالماء العادي ولا بالغسول (دوش)، لأن ذلك يؤدي الى إزالة وطرد أو القضاء على البكتيريا النافعة الموجودة في المهبل، علماً بأن تنظيف تجويف المهبل يحدث تلقائياً وبشكل طبيعي ودون الحاجة للتدخل الخارجي.
بعد التغوط (التبرز) والتبول يجب تنظيف ومسح المنطقة التناسلية الخارجية من الأمام الى الخلف بعيداً عن الفتحة التناسلية الخارجية (الفرج).
يجب استخدام ثياب داخلية مصنوعة من القطن وعدم استخدام الثياب الداخلية المصنوعة من النايلون.
عدم استخدام الحشوة المهبلية Tampon.
يجب استخدام الواقي الذكري أثناء ممارسة الجنس.
الابتعاد (قدر المستطاع) عن التوترات النفسية والعاطفية.
الخضوع لفحص روتيني (دوري) عند طبيب اختصاصي بالأمراض النسائية والتوليد.
يوصي بعض الأطباء بأن يتم إعطاء عقار Metronidazole للنساء اللواتي يخضعن لعمليات استئصال الرحم أو الإجهاض D & C، وذلك للوقاية من الإصابة بالتهابات ومضاعفات بكتيرية ضارة.
• البيئة المهبلية
يتراوح الـ - pH (الرقم الهيدروجيني – اللوغاريتم العشري لمعكوس تركيز أيون الهيدروجين، الذي يستخدم لتحديد حموضة أو قلوية الوسط البيئي والسوائل) الطبيعي للمهبل ما بين 3,8 الى 4,5، وهذا يعني أن التجويف المهبلي حامضي الوسط.
وتساعد حموضة المهبل على الحفاظ على سلامة كيميائية تجويف المهبل والتوازن بين الميكروبات الموجودة طبيعياً داخله.
وعادة يتراوح مقياس الـ pH بين رقم واحد (فائق الحموضة) ورقم 14 (فائق القلوية) وأما رقم 7 فيدل على التعادل (لا حامضي ولا قلوي).
وهنا يجدر التنويه الى أن معظم الصابون والشامبوهات لهما pH يتراوح بين 9 و 10. لذلك فإنه في حال تنظيف الجهاز التناسلي للمرأة بطريقة يدخل فيه الصابون في عمق المهبل، فإن ذلك يؤدي الى خلل في حامضية المهبل لا محالة.
وأشير هنا إلى أن المهبل هو عبارة عن عضو ذاتي التنظيف، وما على المرأة إلا أن تزيل الإفرازات المهبلية الطبيعية التي تصل لمنطقة الفرج.
وأما بالنسبة للسائل المنوي، فإن الـ - pH فيه يتراوح بين 7,2 و 7,8 (قلوي) وهذا يفسر حقيقة كون ممارسة الجنس دون الواقي الذكري قد يؤدي الى خلل في حموضة المهبل