توجه المسرح إبان عصر النهضة إلى الجمهور المثقف العالم أو النخبة الأرستقراطية المثقفة ، وكان عدد أفرادها محدودا وخاصة في إيطاليا التي عرفت ببناء المسارح الضخمة بعمارتها الباروكية الرائعة وزخارفها الموحية بالجمال والفن الجذاب. وقد شكل المسرح الإيطالي فضاء ركحيا دراميا قائما على هندسة الجدران الأربعة، وأصبح ذلك المنظور الهندسي فضاء للمسرح الغربي إلى يومنا هذا وسمي بالعلبة الإيطالية. ومن جهة أخرى كان الجمهور الشعبي متعطشا إلى مسرح من نوع آخر قريب من الفئات الشعبية وهو مسرح الكوميديا المرتجلة أو الكوميديا دي لارتي .
وقد كان للكتاب الإسبانيين الدراميين كفيليكس لوبي دي فيـﮕا (62-1635)، وبيدرو كالديرون دي لاباركا ) (1571-1648) ، وتيرسو دي مولينا (1571-1648) تأثير كبير على الجمهور الإسباني وخاصة إبان العصر الذهبي الذي انتعش فيه الأدب الإسباني على جميع الأصعدة.
هذا،و تتأسس دراما القلنسوة والسيف لدى لوبي دي فـيـﮕا على صراع الحب والشرف والعمل على تحقيق التوتر والإثارة والتهذيب الأخلاقي بفضل قصصه الرومانسية ذات الطابع الفروسي ، وهذا ينطبق كذلك على مسرح تيرسو دي مولينا وبيدروكالدرون.
وعمدت مسرحيات شكسبير إبان المسرح الإليزابيثي إلى التأثير على جمهور التراجيديا الإنجليزي بفعل قوة كتابة شكسبير الأدبية والفنية وإقبال الجمهور على مسرحه الذي حقق شهرة كبيرة وروعة جمالية مازالت تترك وقعها الفني الرائع على القراء والمعجبين بقاعات المسرح والفرجة الدرامية الإنجليزية.
وقد سار المسرح الفرنسي سيرا حثيثا في تمثل الأهداف الدينية والتربوية مع ممارسة النقد الكوميدي والسخرية على غرار الكوميديا المرتجلة الإيطالية مع احترام قواعد المسرح الأرسطي. وقد انتقل المسرح من المدينة إلى الأرياف مع رائد المسرح الفرنسي موليير الذي بدأ التجوال بمسرحه المتنقل في الضواحي والأرياف لمدة اثني عشرة سنة. وكان للمسرحي الساخر موليير تأثيركبير على الجمهور الفرنسي بمسرحياته الكوميدية التي تثير الضحك والمتعة والتسلية مع تقديم الفائدة الواقعية والجمالية. وبهذا يكون موليير قد أسس المسرح المتنقل أو المسرح المتجول دون أن ننسى ماتركه المسرحيان الفرنسيان الآخران كورناي وراسين من أثر ووقع جمالي على جمهور المسرح الكلاسيكي الفرنسي. هـ- المسرح التجريبي:
مع القرنين الثامن عشر والقرن التاسع عشر، سينحو المسرح الأوربي منحى تجريبيا بالثورة على قواعد المسرح الأرسطي، ورفض فكرة المحاكاة، ونبذ الوحدات الثلاث، وتجاوز نظرية اندماج الممثل في دوره ، كما يظهر ذلك واضحا في انبثاق المدارس الأدبية والفنية والدرامية كالواقعية والرومانسية والطبيعية والرمزية والدادائية والسريالية والمسرح الوجودي ومسرح اللامعقول والمسرح الشعري ومسرح الخبز والدمى … تلك المدارس التي بدأت تشكك في مصداقية المسرح الأرسطي بدءا بمسرح شكسبير الذي حقق انزياحا فنيا على معايير المسرح اليوناني وما كتبه ديدرو حول مفارقة حول فن الممثل(1830) الذي طعن في صحة مفهوم الاندماج.
هذا، وتشكل مسرحية "هرناني i" لڤكتور هيـﮕو تخييبا لأفق انتظار الجمهور والقراء على حد سواء؛ لأنها كسرت الوحدات الأرسطية الثلاث. كما جنحت المسرحيات الألمانية مع ليسينغ إلى الجمع بين الأنواع والأجناس وعدم الفصل بينها . وإذا كان المسرح الكلاسيكي قد عود جمهوره على ذوق معين ووقع جمالي خاضع لمجموعة من قواعد المحاكاة والاندماج ومراعاة الوحدات الثلاث ومراعاة تطلعات وأعراف جمهوره، إلا أن المسرح التجريبي خلخل هذا الوقع الجمالي وخلق مسافة جمالية بين المبدع الدرامي والمتلقي وخيب أفق انتظاره مع التيار الرومانسي والمسرح الشكسبيري اللذين ثارا على كل قواعد المسرح الكلاسيكي.
وإذا انتقلنا إلى المسرح الطليعي، فإنه سيؤسس ذوقا جديدا على مستوى التلقي والتقبل المسرحي ، ولاسيما مع مسرح اللامعقول الذي أعلن تمرده الكامل عن كل مقاييس منطق الجمال الأرسطي ومقومات الفن الدرامي الكلاسيكي المعروف في بلدان أوربا وخاصة مع صموئيل بيكيت وأداموف ويونيسكو وأرابال. فقد أدهش هذا المسرح التجريدي الطلائعي الجمهور بثورته العارمة على قواعد المسرح الإغريقي وارتكانه إلى اللامبالاة والتجريد والعبث وإشاعة الفراغ وفلسفة الملل والصمت وتغريب الواقع. وبذلك تغير ذوق الجمهور جذريا مع هذا المسرح الذي انزاح عن المسرح الأرسطي فنيا وجماليا . وترتب عن هذا الذوق الجديد أن تبني الجمهور الأوربي بعد الحرب العالمية الثانية أعرافا جديدة في التأقلم مع هذا المسرح الطليعي.
وإذا كان الجمهور قد أعطى أهمية كبرى للمؤلف وبعد ذلك للممثل النجم مع المدرسة الرومانسية، فإنه في فترة المسرح التجريبي ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر سيعطي الجمهور الأهمية للمخرج الذي سيتكلف بتنظيم العملية السينوغرافية وتأطير ممثلي فرقته وتكوينهم تكوينا حسنا.
وستتبلور نظرية التفاعل بين الممثل والمتلقي مع المخرج بريخت الذي أعطى أهمية كبرى للمتلقي عبر تكسير الجدار الرابع وتعويض مفهوم الاندماج بمفهوم التغريب والتباعد مع إشراك الجمهور في المسرحية عن طريق إثارتهم عقليا وحجاجيا ، وحثهم على مناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية متبنيا في ذلك المادية الجدلية وتوجيه الخطاب السياسي المباشر إلى الجمهور. وقد تأثر بريخت في ذلك ببسكاتور وبيتر فايس.
وقد عمل المخرج الفرنسي أندريه أنطوان على تكسير الجدار الرابع لخلق ستار شفاف يسهل التواصل الحميمي بين الممثل والجمهور. أما ستانسلافسكي وميرهولد وﮒروتسكي فقد عملوا على تكوين الممثل بطريقة حرفية صارمة وتدريبه على الأداء الصوتي والحركي واللعبي من أجل إقناع المتفرج والتأثير عليه بتمتيعه وإفادته على حد سواء.
وعمد المخرجون الطليعيون كـﮕريـﮕ وآدولف آبيا وأرتود وبيتر شومان وبيتر بروك إلى استحضار الجمهور في عروضهم الإخراجية، نظرا لاهتمامهم بتجويد أعمالهم وإتقانها وتأهيل الممثلين لينفتحوا على المسرح الشامل قصد المساهمة في خلق ذوق مسرحي جمالي جديد وتأسيس عرف جديد في القراءة الدرامية والسينوغرافية قصد الرفع من مستوى المتقبل والمتذوق للمسرح الطليعي الذي ثار على المسرح الغربي مسترفدا المسرح الشرقي. كما عمد هذا المسرح إلى استكشاف مسرح أنتروبولوجي موغل في البدائية يستعمل العنف والقسوة في ردع نوازع الشر والانفعالات الغريزية السيئة لدى متلقي الفرجة الدرامية وخاصة مع أنطونين أرتو. و- المسرح العربي والجمهور: