[size=32]أناشيد الشموخ[/size]
قراءة في ديوان عبد الله لحسايني " ترانيم الجبل "
ذ- الزبير خياط
في مجموعة الشاعر ع الله لحسايني الثالثة "ترانيم الجبل" تبرز ثنائية لافتة هي الكتابة والشموخ . فالكتابة هي البوح الشعري الذي يصر الشاعر الشاب على إعلانه مدويا في مشهد شعري يعج بالاصوات الباحثة لها عن مكان فوق دوحة الشعر الفيحاء ، أما الشموخ فهو مرادف الجبل في عليائه وهيبته وخُلوته التي استمدها من رصيد في الذاكرة الشعرية الجمعية العربية إذ ظل الجبل مرادفا للثبات والمجد والصمود والشموخ وقد ترددت أسماء الجبال في الشعر العربي قديمه وحديثة فسمعنا قديما عن أَجَأ و سلمى وثَهْلان وحديثا عن قاسيون وجبل الشيخ والأطلس والريف . تتبدى هذه الثنائية في غرة الديوان أي إهدائه الذي نعتبره عتبة لقراءته يقول فيه " أهدي ترانيم جبل ياث يزناسن الأشم الى .. "
إننا مع الشاعر لحسايني نسمع عن جبال الزناسن الشماء من خلال ثنائية الكتابة والشموخ ثنائية متلازمة متعاضدة ذلك أن الجبل في عليائه يلهم بنيه مواويل الكرامه وكانهم يرضعونها من لَبانه بل ان الجيل الحالي حين تدهمه الخطوب وتتكالب عليه النوازل لا يجد ملاذا للشكوى والانين الا جبال الزناسن يبثها لواعجه يقول الشاعر في ذلك من قصيدة : "جبال الزناسن "
جبال الزناسن جئتك جيني ******وأصغي الى نبضات الانين
جبال الزناسن نور العيون ****** خطبتك للروح هل تقبليني ؟
وفي قصيدة " صخر الجبل " وهي ذات بناء قصصي درامي يؤمن الشاعر بقدر الجبل الشامخ فالصخرة لا تناسبها الا الأعالي وحينما تشيخ وتنزل للحضيض سرعان ما تتوق الى سموها وهي في اسفل الارض ليرفعها البركان مرة اخرى نحو عليائها يقول في نهاية القصيدة
ما أغرب الصخر ... كأنها البشر ..
تأبى ببطن الأرض أن تطأها القدم
فتبدأ الثوران والصعود للقمم .. كأنها الحمم
ان الجبل في هذه المجموعة ليس مكانا محايدا بل هو كذلك ذاكرة الانسان الامازيغي الحر الذي عشق استقلاله واحتمى بالجبل ضد الغزاة الذين قاومهم على مر التاريخ لذلك نجد القصيدة الثانية بعنوان "دهيا" الزعيمة الامازيغية التي قاومت القائد العربي حسان بن النعمان وماتت تحت سنابك خيله من أجل وطن لا تريد أن يجتاحه الغزاة . وفي القصيدة حساسية تاريخية ودينية تناقش الوجود العربي في تاريخ المغرب غير أن الشاعر لا يعطيها هذا البعد بقدر ما يخدم فكرة بطولة دهيا وشموخها ورفضها للسبي فيقول الشاعر على لسانها في القصيدة :
قالت بان البدو يبغون الثمار ؟؟ لتحرقيها ..
قالت ويبغون الحسان من الاناث ؟؟ لتقتليها ..
اه على مكر الزمان ..
عادت لتحرق نفسها العنقاء ظنا أنها
من بين أصلاب الرماد ستنبعث
ومن صلب الجبل ينبعث البطل الأمازيغي " أريذال " الذي يقاوم المحتل فتمنحه جبال الزناسن بركتها لتقول له :
اقذف الصخر فصخري من جنودك
وامنع الماء فنبعه في حدودك
أنت أصل الأرض .. والأرض جدودك .
غير أن احتفاء الشاعر بالشموخ الامازيغي لا يتخذ صبغة شوفينية عمياء ، تلغي الشعور العربي الذي يشترك مع الوجود الأمازيغي في الأرض والسماء والهواء إذ نعثر على قصيدة العراق الغريق وفيها حزن على العراق الذي قهره الطغيان والاستبداد منذ عصر هارون الرشيد الذي استبد باسم الدين يقول الشاعر :
لقد عشق الله هارون لكن
كم من محب قضى من عشيق
نفى وأفنى عباد الإله
فأبقى الإله بدون بريق
والشاعر في ختام القصيدة لا يحن الى عصر الخليفة المستبد بل يوطن العزم على طي تلك الصفحة بكل معاناتها التي جرت على شعب العراق التعاسة فكانت ماضيه وحاضره الدموي يقول :
سابكيك هارون كي لا تعود
وأطمس قبرك كي لا تفيق .
إن كتابة لحسايني في الديوان تحتفي بالشموخ وتغني له غناء التمجيد والزهو وهي كتابة رغم انها تتوسل بالرمز الكلي وهو الجبل إلا انها في عمومها كتابة تحريضية خطابية قصدية قلما تهتتم بالبيان والانزياح وهي كتابة موقّعة بالعروض الخليلي الذي تحيد أحيانا عن صرامته فنجد الشاعر قد نظم على بحور معروفة هي المتقارب والكامل والرمَل والوافر والخبب . وهي بحور تناوب بين توحيد القوافي وتنويعها وبين سيمترية الشطرين وحرية السطر الشعري . فالشاعر لحسايني قلما ينضبط للقواعد العروضية الصارمة بل انه يتحرر منها ربما مثل تحرر الجبل من ربقة الاستعباد .
في ديوان لحسايني غنائية تمجد الأصول بلغة تحريضية وإيقاع خليلي أترك للقارئ متعة اكتشافها بين دفتي هذا الديوان وكل إصدار وانتم بالف خير