تأثير العولمة على واقع الدول العربية
1: مقدمة :-
من خلال الدراسة الدقيقة والمعمقة للعولمة نلاحظ انها تهدف إلى إزالة الحواجز بكل أنواعها بين شعوب العالم ومحاولة الترويج لنمط معين من الحياة والسلوك والثقافة أي فرض السلوك الأمريكي و منظومته الحضارية, وقد ساعد على ذلك القفزة الهائلة التي حدثت في المؤسسات والشبكات الدولية المتزامنة مع ظهور الإنترنت الذي يشكل خطورة واضحة في تعميق ظاهرة العولمة,كما أن العمل من أجل فكرة التوحيد بين شعوب العالم في ظل ثورة الاتصالات الرهيبة وفكرة جعل العالم قرية صغيرة فكرة خطيرة جدا تذيب ثقافات العالم وأديانه وذلك بإزالة ما يمكن إزالته من الحواجز المكانية والزمانية وهي فكرة خطيرة لأنها تعمل على تلاشي حضارات بأكملها,هذه الدعاية مناقضة تماماً لما جاء به الإسلام الذي احترم خصوصيات الشعوب والأمم من خلال قوله تعالى: ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) والآية صريحة المعنى تدل على وجود شعوب مختلفة يجمعها التعارف والتعاون وليس الاندماج .
لقد تخطت العولمة مجال السياسة والاقتصاد لتدخل إلى خصوصيات المجتمع فهي تروج وبقوة لأنماط معينة في العلاقات الاجتماعية على مختلف المستويات وتكمن الخطورة في أننا عاجزون عن إيقاف هذا الترويج, فثورة الاتصالات المرئية والمسموعة بأجهزتها المتنوعة تحاصر الإنسان وتدخل إلى بيته بكل سهولة هذا من جهة, ومن جهة أخرى إذا نظرنا إلى هذه القضية من الناحية الاقتصادية نظرة عامة غير متخصصة فأول ما يلفت الانتباه هو تداخل الشبكات والمؤسسات الكبرى وتكوين التكتلات الاقتصادية الكبرى .
أما في المجال الثقافي والذي يعني فرض ثقافة معينة على شعوب العالم فإن ذلك يشكل تحدياً صارخاً لأهم مقومات الشعوب الثقافية، فالثقافة في مجموعها هي رصيد لما أنتجته حضارة الشعوب وعصارة فكر الأمة وأي محاولة للمس بها يعني محاولة للمس بالهوية، وعولمة الثقافة لا تتوانى عن تجريد الثقافة من المسؤولية الفردية وذلك بتحرير الإنسان من كل قيود الأخلاق والعادات, وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى بروز اتجاه رافض لهذه العولمة ويدعو إلى مقاومتها ومناهضتها لأنها تحتوي على مضامين مدمرة للقيم الحضارية لا تقل خطرا عن أنواع الغزو الفكري الأخرى لأنها تحمل معها ثقافات دول معينة وتعكس أيديولوجيته وكل ما يتعلق بالسمات الخاصة لبيئة المجتمع المروج لمجموع هذه القيم والثقافات. حيث من المفترض إن العولمة ظاهرة إنسانية وحضارية عادلة وأن تتسم بالحس الإنساني التعاوني وأن تنشر بين البشر معطيات الثورات الزراعية والصناعية والتكنولوجية والالكترونية والمعلوماتية والاتصالاتية باعتبارها نتاج التطور العام للبشرية الذي ساهمت فيه مختلف شعوب وحضارات العالم عبر التاريخ ، كما إن تيسير نقل الأموال والسلع والتكنولوجيا والتجارب والأفكار عبر الدول ينبغي أن يكون هدفه سد فجوات الخلافات والتخلف الاقتصادي في الدول النامية وليس الهيمنة السياسية والاقتصادية والتجارية والإعلامية من جانب والتدهور البيئي من جانب آخر، وهو ما سيؤدي إلى نقد ورفض العولمة الاستغلالية الراهنة الواقعة تحت الهيمنة الغربية بعامة والأمريكية بخاصة