الطّباق المعنويّ ويسمّى الطّباق الخفيّ وهو الذي يفهم من سياق الكلام،مثل قولنا:يكون الإنسان ضعيفا عندما يكون في المهد ثمّ يقوى في مرحلتي الشّباب والكهولة ثمّ يضعف عندما يشيب شعره.
المقصود هو الصّغر والكبر.
هذا الطّباق خفي من الجهتين وقد يكون خفيّا من جهة واحدة مثل قوله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}الفتح: 29،إذ لا يوجد تضادّ بين أشدّاء ورحماء لأنّ ضدّ أشدّاء هو ليّنون.
فالله استعمل الرّحمة بدل اللّين لأنّ الرحمة مُسببَّة عن اللين الذي هو ضدّ الشدة.أضف إلى ذلك أنّ الرّحمة تقتضي إقامة العدل بالأخذ على يد الظّالم أمّا اللّين فهو يدلّ على الضّعف.
بلاغة الطّباق:
1- الدلالة على المفارقة والصّراع مثل الخير والشّر
2- الدلالة على العموم والشمول مثل الشرق والغرب
3- الدلالة على التكامل مثل الذّكر والأنثى
4- الدلالة على كمال القدرة مثل الإحياء والإماتة
5- توكيد وتوضيح المعنى وتقويته لأن الأشياء بأضدادها تُعرف.
التقابل:
1- التقابل بين معنيين يكون تقابلا حقيقيّا أو مجازيّا أو خفيّا أو على سبيل الإيهام.
2- لا يشترط كون اللّفظين المتقابلين من نوع واحد (اسمين أو فعلين أو حرفين)،وإنّما يشترط التقابل في المعنى فقط.
3- أقسام التقابل:
تقسّم الألفاظ المختلفة في المعنى بحسب معانيها إلى عدة أقسام،أهمها التقابل والمتقابلان هما المعنيان المتنافران اللذان لا يجتمعان في مكان واحد،وزمان واحد،ومن جهة واحدة.
أولا:التقابل الحقيقيّ هو أربعة أنواع:
أ- تقابل التناقض:
- النقيضان فيه هما أمران أحدهما موجود والآخر معدوم،ووجود أحدهما ينفي وجود الآخر،مثل:إنسان ولا إنسان وكريم وغير كريم.
- هذان الضّدان لا يمكن اجتماعهما أي لا يمكن أن نقول:خالد كريم وغير كريم ولا يمكن أن ينتفيا معا فلا بدّ من وجود أحدهما.
ب- تقابل التضاد:
- الضدّان فيه هما أمران موجودان (صفتان) تتعاقبان على موضوع واحد،مثل:الأسود والأبيض والحارّ والبارد.
- هذان الضّدان لا يمكن اجتماعهما في ذات واحدة في زمان واحد فلا يعقل أن يكون الماء باردا وحارّا في نفس الوقت.
- هذان الضدّان يمكن أن ينتفيا معا فلا يكون الماء باردا أو حارّا بل فاترا أو دافئا.
- تصوّر أحدهما لا يتوقف على تصوّر الآخر،فيمكن أن تتصوّر أنّ الماء بارد،من غير أن تتصوّره حاراً.
ج- تقابل الملكة وعدمها:
- المتقابلان فيه أمران أحدهما موجود واآخر معدوم مثل البصر والعمى،فالبصر ملكة والعمى عدم البصر،فلا يقال للحجر مبصر ولا أعمى لأنه لا يمكن أن يكون مبصراً ولا يملك قابلية الإبصار.
- الملكة وعدمها لا يجتمعان،فلا يمكن أن يكون الإنسان مبصراً وأعمى في نفس الوقت.
- الملكة وعدمها يجوز أن ينتفيا،وذلك في الشيء الذي لا يقبل تلك الملكة،فالحجر لا يقبل ملكة البصر،ولهذا لا يتصف بالعمى أو بالبصر.
د- تقابل المتضايفين:
- المتقابلان أمران وجوديان مثل الأب والابن،تصوّر أحدهما يتبعه تصوّر الآخر (أي إذا وجد أحد المتضايفين وجد الآخر بالضرورة)،فإدراك أن هذا أب يعني أنّ له ابنا، وإدراك أنّ هذا أبن يعني أن له أبا.
- المتضايفان لا يجتمعان من جهة واحدة في وقت واحد،فلا يمكن أن يكون عمر ابناً لخالد وأباً لخالد نفسه أيضاً،ولكن قد يجتمعان من جهتين فخالد أب لعمر،وخالد ابن لعبد الله،فخالد هو أب من جهة عمر،وابن من جهة عبدالله.
- المتضايفان يجوز أن ينتفيا،فاللَّه عزَّ وجلّ لا هو أب ولا هو ابن.
ثانيا:التقابل الاعتباري:
مثل قوله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}الأنعام:122،فليس بين الإحياء والإماتة تقابل حقيقي،لأنهما لا يتقابلان إلا باعتبار بعض الصور،وهو أن يتعلق الإحياء بحياة جرم في وقت والإماتة بإماتته في ذلك الوقت، وإلا فلا تقابل بينهما باعتبار أنفسهما،ولا باعتبار التعلق عند تعدد الوقت،ومع هذا فوجود هذا النوع من التقابل كاف في تحقيق المطابقة متى وُجد.
تنبيه:
اتفق البلاغيون على أن الطباق هو الجمع بين الشيء وضده.لكن وجهات نظرهم اختلفت حول الرابط بين الدلالة الاصطلاحية والدلالة اللغوية،فمنهم من فهم المطابقة بمعنى الموافقة،في حين أن الجمهور ربطها بمطابقة البعير في مشيته،فرأوا أنّ البعير قد جمع بين الرجل واليد في موطئ واحد،والرجل واليد ضدان أو في معنى الضدين،فرأوا أن الكلام الذي جمع فيه بين الضدين يحسن أن يسمى مطابقا،فدلت المطابقة عندهم على المخالفة.وشذ عنهم ابن أبي الحديد الذي فهم من المطابقة معنى المشقة،فقال:الطبق في اللغة المشقة،قال الله سبحانه: ﴿لتركبن طبقا عن طبق﴾ أي مشقة بعد مشقة،فلما كان الجمع بين الضدّين على الحقيقة شاقا بل متعذّرا،ومن عادتهم أن تعطى الألفاظ حكم الحقائق في نفسها،سمّوا كل كلام جمع فيه بين ضدين مطابقة.