يعد الوصف أحد المكونات الأساسية في البناء الروائي، نظرا لكونه يحيل بصورة واضحة على طرائق اشتغال اللغة في الرواية، ويؤشر في نفس الوقت على الأفق الفني الذي تعبر عنه.
وبالنظر إلى نصوص الحساسية الروائية"القديمة"، نلاحظ أن الوصف يهدف في معظم الأحوال إلى تشييد إطارات ديكورية للأحداث، وإلى رسم الملامح الفيزيقية والنفسية للأبطال والشخصيات الروائية.وهو ما أضفى على المكونات الوصفية المبثوثة في ثنايا السرد صبغة ثانوية حيث "يمكن إسقاطها من دون أن تتضرر الصياغة الإجمالية للعمل الروائي"(ألان روب غريبه"نحوروايةجديدة" ترجمة مصطفى إبراهيم، سلسلة دراسات في الآداب الأجنبية دار المعارف، مصر،دت ص 130)
من هنا أدى الفصل بين المكون الوصفي والمكون السردي إلى فصل مواز بين الشكل والمحتوى، ومن ثم، إلى إضفاء سمة الأداتية الزخرفية التي تحصر قيمة الوصف في الرواية في مجرد تمثيل الأشياء ورسم ملامح الشخصيات ورصد التفاصيل والجزئيات بطريقة إيهامية تشعر المتلقي أنه يعيش عالم التجربة لا عالم التخييل.
ويمكننا في هذا السياق الاستشهاد بقولة أحد رواد الحساسية الروائية "القديمة" تؤكد أن الولع بالزخرف اللغوي في مجال وصف التفاصيل والجزئيات يقود إلى الإيهام:( إن أكثر التفاصيل صناعة ومكرا لإيهام القارئ بأن ما يقرأ حقيقة لاخيال، إذ إنه لايثبت الموقف أو الشخص كحقيقة، مثل التفاصيل به، وكلما دقت، أسرع القارئ إلى تصديقها)(نجيب محفوظ، ذكرته سيزا قاسم بناء الرواية دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ ص 111 )
غير أن ما ينبغي التنبيه إليه هنا، هو أن وسمنا للمكون الوصفي في الحساسية الروائية "القديمة" ب"الأداتية الزخرفية" لاينطوي على أي حكم قيمة تنقيصي أو متعالي ينظر إلى إنتاجات الحساسية المذكورة بمنظار ماهو متحقق اليوم.
ولذا، فإن إحالتنا على كتاب "ألان روب غريبه"هي من قبيل الاستئناس، ليس إلا.
فإذا كان "غرييه" مثلا قد انتقد الوصف في المتن الروائي الغربي ـ خصوصا الوصف الوارد في كتابات بلزاك ـ واعتبره معطى فنيا يستجيب لأفق القرن19 ولايتلاءم مع حساسية القرن العشرين، فهذا لايعني سحب انتقاداته ببساطة على الرواية العربية نظرا لكون "غرييه" بلور أحكامه النقدية ضمن إطار الرواية الغربية ذات التراكم الهائل.
وهكذا، نسمح لأنفسنا بالقول إن السمة"الأداتية" التي ميزت الوصف في الحساسية الروائية "القديمة" إجراء فني أملته ظروف تاريخية واشتراطات ثقافية وإبستيمية كانت تعتبر الأدب في خدمة الإنسان، وليس حقلا تعبيرا يتوخى الأدب لذاته.